التورم الفكري

 

لقينى رجل من المعروفين بالطيبة وسألني: هل تؤمن بكرامات الشيخ فلان؟ قلت: لم أقرأ سيرة هذا الشيخ .قال: إليك كتابا يشرح سيرته.. ثم لقينى بعد فترة وسألني: ما رأيك؟ قلت: نسيت أن أقرأ الكتاب، قال: كيف؟ ـ بانفعال ـ قلت: الأمر غير مهم.. إذا مت وأنا لا أعرف صاحبك فإن الله غير سائلى عنه وعن كراماته، فانطلق يشيع عني أنى مارق لا أومن بالكرامات.. 

 

وقابلني آخر يقول: ما رأيك في الموسيقى؟ فأجبت: إن كانت عسكرية تثير الحماس والتضحية فلا بأس، وإن كانت عاطفية تثير النشاط أو الرقة فلا بأس.. وإن كانت تثير العبث والمجون فلا.. فانطلق يشيع عني أني متحلل أسمع الحرام.. 

 

كلا الشخصين آمن بشىء حسبه الدين كله فهو يحاكم الأشخاص والأوضاع إليه وحده. 

 

وهذا التورم الذي يصيب جانبا دينيا معينا هو السر وراء فقهاء لهم فكر ثاقب وليست لهم قلوب العابدين، ومتصوفين لهم مشاعر ملتاعة وليست لهم عقول الفقهاء. 

 

وهو السر وراء محدثين يحفظون النصوص ولا يضعونها مواضعها ولا يجيدون الاستنباط منها. وأصحاب رأى يلمحون المصلحة ولا يحسنون مساندتها بالنص المحفوظ. 

 

وهو السر وراء حكام يعملون حسب المواصفات المقررة ـ رعاة للجماهير - وباعهم فى تقوى الله قصير، وعامة يعكفون على العبادات الفردية، فإذا بلغ الأمر النصح والزجر والأمر والنهى والتعرض لغضب الحكام لاذوا بالصمت الطويل. 

 

وهو السر وراء أناس يتقنون مراسم العبادة ولا يفرطون ذرة في صور الطاعات الواردة، ومع ذلك لا يعون من حكمتها شيئا ولا يستفيدون منها خلقا. 

 

الصلاة تورث النظام والنظافة، وهم فوضى شعثون. والحج رحلة العمر التي تعمر القلب والجوارح بالسكينة والرحمة وهم في أثناء المناسك وبعدها قساة سيئون. 

 

إن الدعوة الإسلامية تحصد الشوك من أناس قليلى الفقه كثيري النشاط ينطلقون بعقولهم الكليلة فيسيئون ولا يحسنون. 

 

من كتاب #الدعوة_الإسلامية_في_القرن_الحالي

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين