التنوير المظلم (4)

محمد حبش

في مطلع تسعينيات القرن الماضي وتحديداً في عامي ١٩٩٠ و١٩٩٢ كنت طبيباً مقيماً في مستشفى الأطفال بدمشق، وقيل لي: إن في جامع الزهراء في المزة – وهو قريب من المستشفى – إماماً رخيم الصوت جميل القراءة.. فقصدته في رمضان لصلاة التراويح.. وفعلاً أسرني ذلك الصوت الندي العذب الذي كان يملؤني خشوعاً.. فلم أكن بعدها أفوّت فرصة أتمكن فيها من الخروج للتراويح حسب المناوبات إلا واهتبلتها لأيمم شطر ذلكم الجامع لأستمع إلى ذلك القارئ الشاب.. وبعد أن تخرجت وخضت غمار الحياة والعمل والسفر نسيته أو كدتُ حتى ذَكر لي بعض إخواني أن محمد حبش قد أصدر كتاباً عن المرأة أثار عليه حفيظة العلماء لمصادمته نصوص الشريعة ولمخالفاته ما استقرت عليه آراء الفقهاء.. والحق أنني لم أقرأه آنذاك لانشغالي بأمور الحياة ولم أعر الأمر كبير اهتمام..

وكان يتردد على مسمعي بين الفينة والأخرى بعض آرائه الشاذة.. إلى أن تطور الأمر إلى ثوابت الاعتقاد وقواطع الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله.. ولما أتاح لي الوقت أن أقرأ بعض كتبه ومقالاته ومنشوراته على الفيس بوك تيقنتُ أن الرجل قد التحق بركب هؤلاء الظلاميين الذين يسمون أنفسهم بالتنويريين ولا أدري ما هي دوافعُه ولكنني أسأل الله الهداية لي وله ولكل طالب حق من الناس أجمعين.. وأن يعود إلى رشده ويتوب من ضلالاته.. وهاك بعض ما اطلعتُ عليه من ذلك ممّا لا يمكن تأويله إلا بأنه يعارض الثوابت الواضحات والقواطع الراسخات:

أولاً: الجنة والنار، يقول حبش: (ويعد كل ما ورد في أمر النار والعذاب لوناً من اﻟﻤﺠاز والترهيب يشبه ما قاله الرسول لبعض الصحابة ثكلتك أمك، ويل أمه، تربت يداك فكلُّ هذه الأوصاف مجاز لا يراد معناها وإنما هي صيغ تحذير وردع ولا يمكن عقلاً ولا ذوقًا قبول الخلود في العذاب مقابل بعض التفريط في الدنيا، مهما كان هذا التفريط، والخلود في العذاب يتناقض تمامًا مع رحمة الله وإحسانه وعفوه، ونحن نتأول ذلك كله على منهج الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي والسَّادة الصوفية) – كتاب رسالة التجديد ص ١٦ –

ويقول: (أخبار الجنة والنار مجاز، ولا يمكن قبول التفاصيل الواردة فيها على اساس معاييرنا وفهومنا لأن ذلك يتناقض مع عدالة الله) – من تعليق له على منشوره على الفيس بوك المعنون بـ (الجنة والنارعند أهل العرفان) بتاريخ ٤\٩\٢٠٢١ .. وهذه مناقضة صريحة لنصوص كثيرة قاطعة الدلالة في القرآن على أن الجنة والنار حقيقة حسية وليست مجازاً..

ثانياً: علم الله ، يقول حبش: (ولا يضير في شيء القول ﺑﺄن علم الله تعالى يتعلق ﺑﺎلحاضر والماضي دون المستقبل) – كتاب رسالة التجديد ص١٧ – وهذا يصادم آيات كثيرة من التنزيل العزيز منها مثلاً قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) التوبة ١١٥

ثالثاً: إخاء الأديان، يقول: (فمن عبدَ لله مخلصًا له الدين فهو مقبول عند الله، ﺑﺄيٍّ مذهب أو دين أو ملة كانت)– كتاب رسالة التجديد ص ١٩ –

ويقول: (وأن أخوة الإيمان تتسع لتشمل كل من يؤمن بالخالق ويحب خلقه في أي دين وفي أي ملة.) منشور على الفيس بوك بعنوان إخاء الأديان بتاريخ ٢٨\١١\٢٠٢١

ويقول: (والمحسنون مأجورون عند الناس وعند الله مسلمين كانوا أم مسيحيين أم يهوداً أم بوذيين أو كانوا بغير دين) – كتاب رسالة التجديد ص ١٨ – وذلك يناقض قوله تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) – آل عمران ٨٥ وقوله الأخير يعني أن المحسن مأجور ولوكان ملحداً (بغير دين)

رابعاً: في التشريع، يقول: (والمعول عليه في أمر القبول والردِّ هو موافقة النص لمقاصد الإسلام وأحكام العقول السليمة ومصالح الأمة، وفي كلِّ الأحوال فهو حكمة محترمة وليس نصوصَ تشريع ملزمة) – كتاب رسالة التجديد ص٦٧ – إذاً عند حبش نصوص الشريعة حكمة محترمة وليست تشريعاً ملزماً ؟؟!! ولا تعليق

خامساً: الكفر والإيمان، يقول: (تقسيم الناس إلى مسلم وكافر بات أمراً ضاراً ومؤذياً وغير منطقي..) من منشور له على الفيس بوك بتاريخ ٢٠\٩\٢٠٢١ – يعني أن بعض آيات القرآن باتت أمراً ضاراً ومؤذياً لأن فيها مثلاً: (هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ) التغابن ٢ . وما هو وصف من يقول إن الله ثالث ثلاثة في القرآن؟؟ ما أظنه يجهل هذه الآيات ولكنّه الحَور بعد الكَور والضلال بعد الهدى.

سادساً: في التاريخ: (حروب الفتح الإسلامي والحروب الصليبية، فكلاهما كانت حروباً ماحقة سوداء، هلك فيها الملايين من البشر، سواء استظلت بشعار التوحيد أو بشعار الصليب) من منشور له على الفيس بوك بتاريخ ١٨\٨\٢٠٢١ .. فالمجاهدون المسلمون المستظلون براية التوحيد هم كالمقاتلين الصليبيين فكلّهم سواء عند حبش.. والله سبحانه يقول ﴿أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ كَٱلۡمُجۡرِمِینَ * مَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ *﴾ [القلم ٣٥-٣٦]

ولولا خشية الإطالة التي لا يحتملها هذا المقال لأوردت أضعاف ما ذكرت من هذه الضلالات..

(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)

#محمد_حبش

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين