التنوير المظلم (٣)

محمد أركون

إن المعضلة الكبرى عند هؤلاء التنويريين أنه قد بلغ الغرور عندهم مبلغاً جعلهم يتحدثون كأنهم أنبياء معصومون بل أحياناً كأنهم آلهة لا يُسألون عمّا يقولون وغيرهم يسألون، والتناقض العجيب أنه لا مقدّس عندهم فوق النقد حتى القرآن الكريم، ثمّ إذا انتقد أحد ما يقولون هبّ أتباعهم ومريدوهم ودراويشهم فنعتوه بكلّ نقيصة فهو متخلّف جامد، أو حاقد حاسد، وتوعدوه بالويل والثبور، وعظائم الأمور، إذ تجرأ على أحد أنبيائهم المعصومين.

هذا وإن السمة التي تجمع هؤلاء (الظلاميين) أنّهم يقررون في كتاباتهم أن القرآن إن هو إلا نتاج بشري في ظروف تاريخية وسياسية وثقافية معيّنة وأن المسلمين إذا أرادوا التقدّم واللحاق بركب الحضارة أن يُعدّلوا من قواعد الدين الإسلامي التي اتفق المسلمون أنها ثوابت لا يمكن المساس بها.. فهم لا يفرقون بين المتغيّر والثابت في الإسلام وما يسوغ فيه الاجتهاد وما لا يسوغ.. وهذا فرْع عن اعتقادهم بأنّ الإسلام نتاج بشري لا وحي إلهي.. وكل هذه الأفكار إنما هي منقولة حرفياً عن معبوديهم من المستشرقين بطريقة القص واللصق وليس لهم منها إلا أن وضعوا أسماءهم تحتها ثمّ يتهموننا بأننا جامدون على ميراث أسلافنا من العلماء..

ومن أنبياء التنوير هؤلاء الجزائري المتفرنس (محمد أركون) الذي صنعه في (السوربون) المستشرق (لوي ماسينيون) على عينه ونفخ فيه روح التنوير لذلك يعدونه أحد أهمّ (التنويريين)..

طيب هات يا حاج محمد نورنا ممّا حباك (ماسينيون) من التنوير..

هاك أيها المسلم آيات من الوحي الجديد ودع عنك القديم:

يقول أركون: (إن القرآن ليس إلا نصاً من جملة نصوصٍ أخرى تحتوي على نفس مستوى التعقيد، والمعاني الفوّارة الغزيرة كالتوراة والإنجيل والنصوص المؤسِّسَة للبوذية أو الهندوسية وكلُّ نصٍّ تأسيسي من هذه النصوص الكبرى؛ حَظِيَ بتوسعاتٍ تاريخيةٍ معينة وقد يحظى بتوسعاتٍ أخرى في المستقبل) [الفكر الأصولي لمحمد أركون ص ٣٦]

ويقول: (إن الدراسات القرآنية تعاني من تأخر كبير بالقياس إلى الدراسات التوراتية والإنجيلية التي ينبغي أن نقارنها بها باستمرار وهذا التأخر يعكس التفاوت التاريخي بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الأوربية أو الغربية فالقرآن لايزال يلعب دور المرجعية العليا المطلقة في المجتمعات العربية والإسلامية ولم تحلَّ محلّه أيّة مرجعيّة أخرى حتى الآن إنه المرجعية المطلقة، التي تحدد للناس ما هو الصَّح وما هو الخطأ، ما هو الحق وما هو الشرعي، وما هو القانوني, وما هي القيمة.. إلخ) [الفكر الأصولي واستحالة التأصيل لمحمد أركون ص ٢٢-٢٣ ] .. دع عنك اللغة الركيكة والتعابير العامية و(ما هو الصَّح وما هو الخطأ) فالرجل لا يكتب بالعربية لأنه لا يتقنها بل يوحى إليه بالفرنسية والذنب على المترجم.. ولكن انظر إلى هذه الأفكار التبشيرية بالدين الجديد..

وهاكم بعض المقتطفات ممّا أدلى به لمجلة إكسبريس الفرنسية في عددها الصادر في ٢٧\٣\٢٠٠٣:

(لا يمكن للعالم العربي أو الإسلامي أن ينطلق حضاريا إلا إذا انخرط في عملية تفكيكية نقدية شاملة لأنظمة الفكر الديني القديم المسيطر والراسخ الجذور).. فهات المفك ياولد (لننخرط في العملية التفكيكية) لننطلق حضارياً!!

ويتابع: (أنا شخصيا أناضل من أجل تغيير برامج التعليم في كل الدول العربية والإسلامية وينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يتفاوض مع بلداننا لتغيير هذه البرامج، وبخاصة فيما يتعلق بتعليم مادة التربية الدينية أقول ذلك لأن تعليم الدين بطريقة ظلامية أصولية وصل مؤخراً إلى أوروبا ذاتها وانتشر في جالياتها المغتربة من عربية وإسلامية وبالتالي فالخطر أصبح على أبواب الغرب نفسه ولهذا السبب أقول ينبغي على العالم الإسلامي أن يتوصل إلى الحداثة بأقصى سرعة ممكنة وبدون تحفظ).. فانظر إلى هذا الاستعداء الحقير لحكومات أوروبا على المسلمين فيها إن لم يستبدلوا بطريقتهم (الظلامية الأصولية) في تعليم الإسلام طريقته (التنويرية الحداثية).. وكيف يُطلق النذير، ويُعلن النفير، من الخطر الإسلامي الداهم الوشيك.

وفي كتاب الفكر الإسلامي نقد واجتهاد لهذا الأركون فصل يبدأ من ص ٨١ اسمه: (السؤال السابع: من الذي دوّن القرآن، ومتى دُوّن ثم مالذي يحتويه هذا الكتاب) وقد لخصتُ هذا الفصل باختصار – وارجع إليه إن شئت لأن المقال لا يتسع لنقله والكتاب موجود على الشابكة – والملخص: (أن القرآن نص تاريخي كتب على مراحل تأثرت بالظروف السياسية في خلط واضح بين جمع القرآن وتأليفه.. وأن القرآن لم يُكتب كله في حياة الرسول - صلى الله عـلـيـه وسـلـم - بل كُـتبت بعض الآيات التي هي أم الكتاب ثم استكمل العمل في كتابة القرآن فيما بعد.. وأن الآيات التي تلفظ بها الرسول - صلى الله عـلـيـه وسـلـم – لم تُنقل بأمانة وأنه جرت عليها عمليات بشرية أنتجت في النهاية ما سمّاه – المدونة النصيّة الرسمية المغلقة والنهائية -)

ويقول في كتاب (الفكر الإسلامي قراءة علمية) : (ينبغي القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس) [الفكر الإسلامي قراءة علمية – ص ٢٣.]

هذا غيض من فيض من كتابات هذا التنويري أوردتها باختصار ليكون القارئ على بيّنة منه.. والله من وراء القصد.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين