التكييف الفقهي لحالة دولة الإسلام في العراق والشام

نص الاستشارة :

ما التكييف الفقهي لحالة دولة الإسلام في العراق والشام؟

الاجابة

أجاب فضيلة الشيخ مروان القادري رئيس لجنة الفتوى في رابطة العلماء السوريين :

تعقيب على فتوى الروابط والهيئات الاسلامية بخصوص داعش :

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين ، وبعد :

فقد صدرت فتوى الروابط والهيئات الاسلامية بخصوص جرائم داعش على المدنيين والمجاهدين بتحريم أفعالهم، وقد كان التكييف الفقهي لعدوانهم أنه فساد في الأرض، مؤسسين الفتوى على آية الحرابة، وهي قوله تعالى :

{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (33) سورة المائدة.

وقد رأيت أن هذا التأسيس للفتوى فيه نظر لأن هؤلاء ليسوا حربيين، وإنما هم بغاة ، ويكون تأسيس الفتوى على قوله تعالى :

( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) [ الحجرات : 9 ]

فهذه الآية هي أصل ما ورد في قتال أهل البغي ، والبغي : الظلم ومجاوزة الحد ، سموا بذلك لظلمهم وعدولهم عن الحق والتعدي بالقوة إلى طلب ما ليس بمستحق ،

وقد دلت هذه الآية على بقاء البغاة على إيمانهم .

ودلت على الابتداء بالصلح قبل قتالهم .

ودلت على وجوب قتالهم إن أقاموا على بغيهم .

ودلت على الكف عن القتال بعد رجوعهم .

ودلت على أن لا تبعة عليهم فيما كان بينهم .

فهذه خمسة أحكام دلت عليها هذه الآية فيهم .

وانعقد الاجماع على إباحة أو وجوب قتال البغاة حسب أحوالهم ، لفعل إمامين هما : أبو بكر في قتال مانعي الزكاة ،

وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه شهد بنفسه قتال من بغى عليه ، فأول من قاتل منهم أهل الجمل بالبصرة مع عائشة . وثنى بقتال أهل الشام بصفين مع معاوية . وثلث بقتال أهل النهروان من الخوارج . وكل من قاتلهم علي مسلمون متأولون .

والأصل في قتال عناصر داعش أنهم مسلمون متأولون بغاة معتدون ، فوجب رد عدوانهم بمقتضى الآية الكريمة ،

وفرق كبير بين المصطلحين في التعريف والأحكام المترتبة على كلاهما ، وتحرير المصطلح مهم قبل صدور الأحكام والفتاوى

وقد قرر العلماء بيان الفرق بين الحربيين المفسدين في الأرض وبين البغاة :

أن البغاة خرجوا ابتداء على الناس واعتدوا عليهم بتأويل خاطئ، ولكن لم يتعمدوا مخالفة الاجماع، ولا تعمدوا خلاف القرآن والسنة، وإنما هي شبهة عرضت لهم، فاعتدوا وهم يظنون صحة اجتهادهم في ذلك، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا فلم يؤتوا ( في الغالب ) من فساد قصدهم ونواياهم وإنما من خطأ اجتهادهم بسبب غلوهم وهذا حال داعش في توسلها (لإقامة الدولة الاسلامية بالقتال ) والعدوان على المعترضين عليها مدنيين ومقاتلين ،

أما المحاربون فهم يعتدون على الناس معاندين للنصوص قصدا بلا تأويل واجتهاد وإنما تعمد المعصية وهم يعلمون ذلك، ولذلك هم مفسدون في الأرض بغير اجتهاد وإنما لدنيا وهوى، وداعش ليست كذلك وإنما باغية متأولة والله أعلم .

قال ابن حزم في "المحلى" يفرق بين الباغي والمحارب والمرتد :

فمن خرج بتأويل هو فيه مخطىء لم يخالف فيه الإجماع ولا قصد فيه خلاف القرآن وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتعمد خلافهما أو يعند عنهما بعد قيام الحجة عليه أو خرج طالبا غلبة في دنيا ولم يخف طريقا ولا سفك الدم جذافا ولا أخذ المال ظلما، فهذا هو الباغي الذي يصلح بينه وبين من بغى عليه على ما في آية البغاة، وعلى ما قال عليه السلام: من خروج المارقة بين الطائفتين من أمته إحداهما باغية وهي التي تقتل عمارا والأخرى أولى بالحق وحمد عليه السلام من أصلح بينهما.

كما روينا من طريق البخاري، نا صدقة، نا ابن عيينة، نا أبو موسى، عن الحسن سمع أبا بكرة قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول:" ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين".

فإن زاد الأمر حتى يخيفوا السبيل ويأخذوا مال المسلمين غلبة بلا تأويل أو يسفكوا دما كذلك فهؤلاء محاربون لهم حكم المحاربة فإن زاد الأمر حتى يخرقوا الإجماع فهم مرتدون تغنم أموالهم كلها حينئذ وتخمس وتقسم وبالله تعالى التوفيق انتهى كلامه . (المحلى ج 11 ص 104).

وبالله تعالى التوفيق.

وكتب الشيخ موفق الغلاييني عضو هيئة علماء الشريعة في أمريكا :

السلام عليكم ورحمة الله

الحمد لله الذي نعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة للعالمين نبينا محمد وعلى آله

أوافق أخي الفاضل الشيخ مروان حفظه الله على هذا التفريق المهم والضروري بين المحاربين والبغاة كأساس للحكم على تنظيم #داعش، فنحن معاشر طلبة العلم وأهله أجدر الناس وأحقهم بالدقة عند استخدامنا للمصطلحات الفقهية، وبخاصة فيما يتعلق بأمور الدماء والأموال والأعراض، وإضافة لما ذكر الشيخ حفظه الله أضيف بأن مما يترتّب على اعتبارهم بغاة لا محاربين أن يدفع ضررهم بأهون الشرين وأقل المفسدتين، لأنهم كما قال الخليفة علي رضي الله عنه:( إخواننا بغوا علينا). ومما يترتب على هذا من أحكام فقهية أنهم يصلى عليهم، ويدفنون في مقابر المسلمين.

ان من شأن المسلم قائدا كان أم فردا من الرعية أن يتبع الحق والعدل في الرضا والغضب، والقول والعمل، ونحن في كل ما سلف إنما نحكم عليهم بظواهر أعمالهم تاركين نياتهم إلى الله، فنحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، ولذا فليس علينا إقامة الدليل بأنهم عملاء للنظام حتى نحكم عليهم بالبغي، وإنما أعمالهم الظاهرة الفاسدة حكمت عليهم بهذابعد تواتر الشواهد والأدلة، ولا ننس أن من الخيبة وضعف الرأي ان نضع الندى في موضع السيف، إذ لكل مكانه، فكما كان نبينا صلوات الله وسلامه عليه نبي الرحمة كان أيضاً نبي الملحمة، وما نحن بصدده إنما هو مصير ثورة سامية فاصلة تاريخية بين الحق والعدل من جهة والباطل والظلم من جهة أخرى، لا يجوز لنا أن نفرط فيها ولا بدماء شهدائها الأبرار، فنحن عندما نحكم على منظمة داعش بما حكمنا إنما نفعل هذا حماية لثورتنا هذه من أن تنالها أيدي العابثين الجاهلين، ولله الأمر من قبل ومن بعد قال تعالى:( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله لقوي عزيز)

وكتبه اخوكم: موفق بن عبد الله الغلاييني.

وعقب على هذا التكييف الفقهي الأخ الشيخ مرهف السقا الحموي ، فكتب ما يلي :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا أرى لنفسي مكانا بين الشيخين القديرين في تكييف الحكم على #داعش، ولكني أود عرض وجهة نظري كما يعرض التلميد على شيوخه، يرى العبد الفقير أن #داعش ليست بباغية إذ أساس البغي هو الخروج على الحاكم أو الخليفة أو الدولة، وهذا أصل التكييف الفقهي للبغي ، ثم أن يكون لهم تأويل في خروجهم، وداعش لا تأويل لها، بل هي اعتبرت نفسها قاضيا على الناس، وقد جاءت بحكم مسبق على السوريين بأنهم كفار مرتدون، وأن الجيش الحر مشرك، بل يعتبرون أن بقاء الجيش الحر إنما هو من باب إجارتهم للمشركين، وهذا الكلام أقوله ممَّا سمعته من منظّريهم ، بل هم مفسدون في الأرض مجرمون، وقد قاموا بأفعال المفسدين في الأر،ض فقد قطعوا السبيل، ومنعوا الغذاء، وقتلوا الناس بالشبهة وأرصدوا للمسلمين في كل طريق واستحلوا سلاح الكتائب ومقراتهم ودخلوها تحت تهديد السلاح،

وأؤكد على أن الباغي شرطه: أن يخرج على حاكم شرعي، وأن يكون ذو منعة ، وأن يكون متأولا، ولا ينطبق شيء من الشروط عليهم إلا شرط المنعة، والله أعلم.

مرهف السقا.


التعليقات