التكليف والاستطاعة: مصير أولاد الكفار نموذجاً

مستخلص عن الموضوع:

عالج البحث معنى التكليف وحكمته وشروطه، وبين أنه لا تكليف بدون استطاعة، وأن للاستطاعة درجات تؤثر في درجات التكليف، وقد طبق البحث المبادئ السابقة عل مصير أطفال الكفار، وذكر أولا آراء العلماء والمذاهب حول ذلك، ورجح المذهب القائل بنجاة أطفال الكفار في الآخرة واعتبارهم من أهل الجنة، بناء على مفهوم التكليف وشروطه، ومنها شرط الاستطاعة بعناصرها المختلفة، وبناء على مبدأ العدل الإلهي ونفي الظلم عن الله تعالى. وقد توصل البحث بناء على ذلك إلى النتائج التالية:

- الرحمة بالأطفال وحسن رعايتهم ومعاملتهم.

- وقاية الأطفال من الضلال والجريمة والانحراف.

- تأكيد مبدأ العدل الإلهي في التكليف من خلال التأكيد على شرط الاستطاعة.

- تأكيد مبدأ المسؤولية تبعا لصحة التكليف ووجود الاستطاعة.

- الدعوة إلى تخصيص دراسة معمقة حول " فقه الأطفال في الشريعة الإسلامية" قبل أن يأتي بعض الحاقدين المغرضين ليكتبوا عن"فقه قتل الأطفال واسترقاقهم في الشريعة الإسلامية ".

التكليف والاستطاعة

(أولاً) معنى التكليف وحكمته وشروطه وعلاقته بالاستطاعة:

1- معنى التكليف:

التكليف في اللغة مصدر كلّف،ومعنى كلّف: أوجب وفرض أمراً ذا كلفة، والكُلفة والتكلفة هي المشقة، وما يتحمله الإنسان لتحصيل شيء ما من مال أو جهد.

وقد ذكر ابن قدامة موفق الدين المقدسي (ت 620 هـ) في روضته، أن التكليف في اللغة هو إلزام مافيه كلفة و مشقة، واستشهد بقول الخنساء في أخيها صخر:

يكلفه القوم ما نابهم=وإن كان أصغرهم مولدا

والتكليف بأمر: فرضه على من يستطيع أن يقوم به، وأمر التكليف أمر يصدره من يملك التكليف للإلزام بواجب.

أما معناه الاصطلاحي: فهو الخطاب بأمر أو نهي: ولا شك أن ذلك يتضمن الفرض والإلزام، كما أن هذا الأمر والنهي لابد أن يكون فيهما نوع من المشقة على النفس وإن كانت مشقة متحملة ومستطاعة.

2- حكمة التكليف:

تكليف الله للإنسان مبني على طبيعة الإنسان وتميزه عن سائر المخلوقات بعقله و نطقه وخلقه في أحسن تقويم، فالتكليف في حق بني آدم تكريم لهم وعناية بهم واعتبار لما وهبهم وميزهم به، " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"، " يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك "، " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكم شيئاً مذكورا، إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه.. "

" أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون، فتعالى الله الملك الحق.."

فالتكليف متناغم مع الخلق في أحسن تقويم، ومع التكريم، ومع التفضيل، ومع ما وهبه الله للإنسان بخاصة، ولذلك قالوا " إذا أخذ ما وهب أسقط ما أوجب ". ومعنى ذلك أن ما أوجب أي (ما كلف) مترتب على ما أعطى ووهب من صفات ومزايا.

وهناك من يقول، وهم المعتزلة،: إن تكليف الإنسان لطف به وصلاح له وعناية به في دنياه وآخرته، بل هو تعريض له لمزيد من الرفعة والثواب والتكريم، إن استجاب لمقتضيات التكليف.

وهناك من يقول، إن التكليف هو شأن إلهي وأمر إلهي، ولايشترط أن يكون له غرض ! فالله يفعل ما يشاء ويختار، ولا يسأل عما يفعل سبحانه. وهذا قول الجبرية نفاة الأسباب و الحكمة والتعليل، وهو مذهب مخالف للعقل والفطرة والقرآن والسنة وجميع ما جاءت به الرسل، كما يقول ابن القيم رحمه الله في "أحكام أهل الذمة " 2 / 1126.

والحقيقة أن المعتبر في حسن التكليف هو القصد منه، وليس حال المكلف وفعله.

3- شروط التكليف:

لكن هذا التكليف له شروط: بعضها يرجع إلى المكلف نفسه، وبعضها يرجع إلى نفس المكلف به.

- ما يرجع إلى المكلف:

• العقل: أي أن يكون المكلف عاقلاً يفهم الخطاب، فلا تكليف على الصبي و المجنون لأنهما لايفهمان الخطاب. (والصبي المميز وإن كان يفهم الخطاب نوعاً ما، إلا أن الشرع حط التكليف عنه تخفيفاً، وليظهر ما خفي بالتدريج... وقد روي أنه يكلف !!).

" رفع القلم عن ثلاث"، ويلحق بهما الناسي والنائم والسكران، ومناط ذلك كله استطاعة فهم الخطاب وامتثاله، وقصد الطاعة والامتثال.

- وأما ما يرجع إلى نفس المكلف به فهو:

1. أن يكون معلوماً للمكلف به، وأن يكون معلوماً أنه مكلف به من جهة الله تعالى.

2. أن يكون ممكن الفعل والحصول، ولو مع المشقة. أما إذا كان محالاً فلا يصح التكليف به، لأنه يتنافى مع الإمكان والإستطاعة، وهي مسألة التكليف بما لايطاق. وقال قوم (أبو الحسن الأشعري و بعض أتباعه) بجواز ذلك اعتماداً على بعض الآيات القرآنية كقوله تعالى " ولاتحملنا ما لاطاقة لنا به "، وإذا قيل: طلب المستحيل فيه مفسدة و مناقضة للحكمة، فإن هؤلاء يردون قائلين: إن بناء الأمر على ذلك في حق الله تعالى محال، إذ لايقبح منه شيء، ولا يجب عليه شيء، ولايجب عليه فعل الأصلح... (وهذه المسألة متفرعة عن مسائل التحسين والتقبيح بعامة، هل هما ذاتيان أو اعتباريان، وهل هما عقليان أم شرعيان...)

ولا يخفى أن هذين الشرطين يدوران أيضاً حول مفهوم الاستطاعة عند المكلف في العلم والفهم والامتثال.

وهذا يقودنا إلى تقرير القاعدة الأصولية العقدية وهي أنه: لا تكليف بدون استطاعة، وأن التكليف منوط بالاستطاعة، سواء كانت عقلاً أو وعياً وإرادة أو قدرة على الفعل والترك، أو إمكانية حدوث الفعل و حصوله، أو علماً بما كلف به، إلى غير ذلك من عناصر الاستطاعة ووجوهها. والأدلة متواترة على أنه لا تكليف بدون استطاعة، سواء كانت أدلة نقلية قرآنية أو حديثية،أو كانت أدلة عقلية أو فطرية.

وعلى رأسها الآيات الكريمة:

o "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً "

o " وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا، وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون "

o " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً " آل عمران: 97

o " لايكلف الله نفساً إلا وسعها " البقرة: 289

o " لا تكلف نفس إلا وسعها "البقرة 233

o " لا نكلف نفساً إلا وسعها " الأنعام 152، الأعراف: 42

o " ولا نكلف نفساً إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق " المؤمنون: 62

o " فاتقوا الله ما استطعتم " التغابن: 16

o " كتب ربكم على نفسه الرحمة " الأنعام: 54

o الآيات التي فيها نفي الظلم عن الله " وما ربك بظلام للعبيد " وغيرها، وكراهة الظلم والدعوة إلى العدل، كما جاء في الحديث القدسي الصحيح:

" ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً...

وقد علم كل ذي عقل وفطرة سليمة أن تكليف أحد بأمر من الأمور وجزاءه على هذا التكليف لايصح إلا إذا كان المكلف مستطيعاً ومتمكناً من الفعل، وإلا إذا كان الفعل ممكن الحدوث.

فلا تكليف إذن بغير استطاعة.

- 4- درجات الاستطاعة وأثرها في درجات التكليف و الحساب والجزاء:

والاستطاعة قد تكون كاملة وقد تكون ناقصة، فهي إذن على درجات، وبالتالي فإن التكليف على درجات، سواء فيما يتعلق بالعقول أو الأجسام أو الأموال أو الظروف والأحوال القاهرة:

• " صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً... فإن لم تستطع..

• " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج"

• " لينفق ذو سعة من سعته، و من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لايكلف الله نفساً إلا ما آتاها، سيجعل الله بعد عسر يسراً "

• " فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً "

5- الحساب والجزاء مناطان بالتكليف، فلا حساب ولا جزاء إلا بعد التكليف:

• " رفع القلم عن ثلاث 000

• " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً"

والتكليف إنما يكون بالشرع وإرسال الرسل و نصب الأدلة:

• " رسلاً مبشرين و منذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل".

ولا تكليف بدون استطاعة، فالاستطاعة إذن هي مناط التكليف وهي محوره ومُدركه.

فما هي الاستطاعة:

الاستطاعة والطاقة والقدرة والوسع ألفاظ متقاربة، وقد قال عامة أهل السنة: إن الله قد وهب الإنسان قدرة واستطاعة هي مناط الأمر والنهي، وهي التي تتعلق بالصحة والوسع والتمكن ووجود الأسباب وسلامة الآلات، وهي التي تكون قبل الفعل ولايجب أن تكون معه، أما القدرة التي يكون بها الفعل المباشر، فلابد أن تكون مع الفعل ولايجوز أن يوجد الفعل بقدرة معدومة.

وهذه المسألة مسألة طويلة وشائكة،وقد حدث اختلاف كبير حولها بين القدرية والمعتزلة من طرف، وبين الأشاعرة والجبرية من طرف ثان، وبين الماتردية وعامة أهل السنة من طرف ثالث...

ومذهب عامة أهل السنة هو الوسط، حيث إن القدرية و المعتزلة قالت: لا تكون القدرة إلا قبل الفعل، وقابلهم طائفة من أهل السنة حيث قالت: بل لاتكون القدرة إلا مع الفعل. أما عامة أهل السنة فقد قالوا: إن القدرة نوعان: قدرة هي مناط التكليف عموماً ومناط الأمر والنهي، وهذه تكون قبل الفعل، وقدرة لايكون الفعل إلا بها، وهذه لابد أن تكون مع الفعل، لأنه لايجوز أن يوجد الفعل بقدرة معدومة (أنظر شرح العقيدة الطحاوية،جـ 2 (633-639) و (652 – 656)

(ثانياً). تطبيق المبادئ السابقة على مصير أطفال الكفار:

وإذا كان الأمر كذلك، فما هو مصير الأطفال بعامة، و مصير أطفال الكفار بخاصة، في ضوء ما قررناه من المبادئ السابقة، عن العلاقة بين التكليف والاستطاعة ؟

وهاهنا قضية اختلفت فيها المذاهب و تنوعت فيها أقوال العلماء والأئمة قديماً وحديثاً، قضية الأطفال الذين ماتوا وهم صغار ولم يبلغوا مبلغ الرجال، أي لم يبلغوا الحلم (أو الحنث)، ما حكمهم ؟

وهاهنا مسألتان: الأولى، حكم أطفال المسلمين، والثانية حكم أطفال الكفار من المشركين وأهل الكتاب وغيرهم:

1- المسألة الأولى: وهي حكم أطفال المسلمين:

قال الإمام النووي في شرح مسلم (160-207): " أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة، لأنه ليس مكلفاً "

وقال ابن كثير في تفسيره،عند تفسير قوله تعالى: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" بعد أن ذكر اختلاف الأئمة في حكم الولدان الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار:

" وليعلم أن هذا الخلاف مخصوص بأطفال المشركين، فأما ولدان المؤمنين، فلا خلاف بين العلماء، كما حكاه القاضي أبو يعلى بن الفراء الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة. وهذا هو المشهور بين الناس، وهو الذي نقطع به إن شاء الله عز وجل ".

وهو مايتفق مع قواعد الشريعة والأحاديث التي جاءت عن أطفال المؤمنين إذا ماتوا صغاراً، أنهم يكونون ذخراً وفرطاً وشفعاء لآبائهم وأمهاتهم وأهليهم.

2- والمسألة الثانية، وهي الأهم، وهي المقصودة بهذه الورقة، هي مصير أطفال الكفار والمشركين والملحدين.

وهذه المسألة، مسألة أطفال الكفار والمشركين الذين ماتوا قبل البلوغ والتكليف، من المسائل التي تكلم فيها العلماء سلفاً و خلفاً واختلفت فيها الآراء كثيراً حتى وصلت إلى عشرة أقوال، ولن أطيل في عرضها وعرض أدلتها ومناقشتها في هذا المقام، ويكفي الآن أن أعددها ثم أرجح منها ما يتفق مع مفهوم التكليف والاستطاعة، ومع النصوص الصحيحة الثابتة، (أنظر بخاصة ابن قيم الجوزية في كتابه: طريق الهجرتين، وفي كتابه:أحكام أهل الذمة،وفي كتابه: تحفة المودود في أحكام المولود، وغيرها من كتبه،وانظر أيضا ابن كثير، والنووي وهذه الأقوال هي كما يلي:

1) أنهم في الجنة، وهو ما ذهب إليه الإمام البخاري. وهو ظاهر كلام الحافظ ابن حجر في الفتح، والنووي في شرح مسلم. كما ذهب إلى هذا القول أيضاً: ابن حزم، وابن الجوزي، والجبائي من المعتزلة، وجماعة من أصحاب الإمام أحمد، و كثير من العلماء المحدثين المعاصرين (ومنهم الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى).

2) أطفال المشركين في النار مع آبائهم. حكاه ابن حزم عن الأزارقة من الخوارج، وحكاه القاضي أبو يعلى عن الإمام أحمد، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (24/37) "فطائفة من أهل السنة وغيرهم (أي من الخوارج) قالوا: إنهم كلهم في النار. واختار ذلك القاضي أبو يعلى وغيره، وذكر أنه منصوص عن أحمد"، ثم قال ابن تيمية: "وهو غلط على أحمد"، وكرر ذلك في كتابه درء التعارض، وأكد ذلك ابن القيم.

3) التوقف في الحكم عليهم وتقرير أنهم تحت المشيئة الإلهية. وهو منقول عن حماد بن سلمة، و حماد بن زيد، وهو منقول أيضاً عن عبدالله بن المبارك، ونقله البيهقي في " الاعتقاد " عن الشافعي، وهومقتضى قول مالك في الموطأ، وأكثر أصحاب مالك على هذا القول، وذكر ابن تيمية أن هذا القول منصوص عن الإمام أحمد، بل إن ابن تيمية نفسه قد صوّب هذا القول في كتابه (درء التعارض 8/435) وقال: وهذا هو الصواب الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وهو منصوص أحمد وغيره من الأئمة.

4) أنهم في منزلة بين المنزلتين، أي في برزخ بين الجنة والنار. وقال بعض المفسرين: إنهم أهل الأعراف.

5) أنهم خدم الجنة و مماليكها، أي مماليك أهلها. وهو مذهب سلمان، كما ذكر الإمام ابن القيم. ولا أصل لهذا القول، كما قال ابن تيمية.

6) حكمهم حكم آبائهم في الدنيا والآخرة، فلا يفردون عنهم بحكم في الدارين. وهذا قول الإمام الخطابي، ونسبه إلى عامة أهل السنة، وذكر النووي أنه قول الأكثرين، ونسبه ابن تيمية لبعض الحنابلة. وهناك فرق دقيق بين هذا القول ومذهب من يقول هم في النار مطلقاً.

7) إنهم يمتحنون في عرصات القيامة.وهذا قول أبي الحسن الأشعري، والحافظ البيهقي.

وقال الإمام ابن القيم: (في أحكام أهل الذمة 2/1137): وهذا قول جميع أهل السنة.

وقد انتصر لهذا القول الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقد رجح هذا القول العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى.وهو ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء في فتاواها، (أنظر المجموعة 3/ 365) حيث قالت:

الصحيح من أقوال العلماء أن الله يمتحنهم يوم القيامة، فمن أطاع فهو من أهل الجنة، ومن عصى فهو من أهل النار، وفي هذا تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم " الله أعلم بما كانوا عاملين" جواباً لمن سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد الكفار.

8) أنهم يصيرون تراباً، وقد حكي ذلك الإمام ابن القيم عن ثمامة بن الأشرس. وكأنه ألحقهم بالبهائم !! و الأحاديث الصحاح والحسان وآثار الصحابة ومبادئ العقل وصفات الله الحسنى من الرحمة والإحسان ترفض ذلك وترده.

9) الإمساك عن الخوض في هذه المسألة مطلقاً، وكراهة الكلام فيها جملة. وذلك منقول عن ابن عباس وعن محمد بن الحنفية وعن القاسم ين محمد بن أبي بكر الصديق وغيرهم.

10) أنهم مردودون إلى محض مشيئة الله تعالى، إن شاء الله عذبهم وإن شاء نعمهم أو فعل فيهم ما يشاء بلا حساب ولا عمل. وهو قول الجبرية نفاة الحكمة و التعليل.

ومن هذا الاستعراض يتبين لنا، في ضوء مفهوم التكليف وشروطه، ومنها شرط الاستطاعة بعناصرها المختلفة، وبناء على مبدأ العدل ونفي الظلم عن الله تعالى، بل وتحريم الظلم على نفسه سبحانه، وكتابته الرحمة على نفسه سبحانه، ومن خلال الأدلة القرآنية والحديثية الصحيحة، أن أحق الأقوال بالاعتبار هي الأقوال التالية:

1) أنهم في الجنة رحمة وإحساناً تفضلاً.

2) أنهم يمتحنون في عرصات يوم القيامة عدلاً منه سبحانه، كما هو الأمر في حق أهل الفترة وكل من لم تصلهم الدعوة، أو وصلتهم مشوهة ناقصة، أوغيرهم ممن لم تتوفر فيهم شروط التكليف.

3) التوقف في الحكم عليهم وأنهم تحت المشيئة الإلهية.

4) وأخيراً أنهم خدم أهل الجنة ومماليك أهلها، بمعنى أنهم الولدان المخلدون في الجنة.

3- ونحن من ناحيتنا نرجح القول الأول وأنهم في الجنة وبخاصة(الأطفال غير المميزين) أخذاً بالحديث الصحيح القائل:

• كل مولود يولد على الفطرة، وهي الإسلام قبل تهويده أو تنصيره أو تمجيسه.

• وبحديث سمرة الذي في الصحيح،وهوأنه عليه السلام رأى مع أبينا إبراهيم عليه السلام في الجنة أولاد المسلمين وأولاد المشركين "

• وبما رواه الإمام أحمد عن خنساء عن عمها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والمولود في الجنة ".

• وقد قال الإمام النووي في شرح مسلم عن هذا القول: بأنه هو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون.

• وهو الذي يتفق مع عدل الله سبحانه وتعالى ورحمته وفضله وإحسانه ومحبته الخير لعباده وفرحه بتوبة العصاة منهم، فكيف بمن لم يكلف منهم بعد، وليست عنده الاستطاعة التي هي مناط التكليف ممن كان لايزال في سن البراءة والفطرة الأولى ؟!

(ثالثاً) النتائج المترتبة على ذلك:

ويترتب على ماذكرناه آنفا مايلي:

1. رحمة الإسلام بالأطفال والحض على حسن معاملتهم ورعايتهم من النواحي العقلية والنفسية والبدنية والمهنية العملية والدينية والأخلاقية.

2. وقاية الأطفال من المفاسد والاستغلال،ومن الضلال والانحراف، وتنشئتهم بما يكفل أن يكونوا مكلفين من حيث كمال العقل وسلامة الفطرة وتوازن الشخصية وحسن الأخلاق وسلامة الآلات.

3. تأكيد مبدأ العدل الإلهي في التكليف من خلال شرط الاستطاعة، وتعميم ذلك على كل من فقد هذا الشرط بوجوهه المختلفة، سواء كانوا من أهل الفترة أو من المجانين والمعاتيه، أو كانوامنعزلين في الجبال والصحارى ولم تصلهم الدعوة، أو من وصلتهم الدعوة مشوهة أو بعيدة عن حقائق الدين وشرائعه، أو كانوا من الأغرار الأغمار الجهال الذين لايعرفون معروفاً ولاينكرون منكراً (الشعوب البدائية و الهمجية).

4. تأكيد مبدأ المسؤولية تبعاً لصحة التكليف ودرجات الاستطاعة.

5. الدعوة إلى تعميق هذا الموضوع بشكل عام، وإلى إعداد دراسة أكاديمية شاملة عن " فقه الأطفال في الشريعة الإسلامية " قبل أن ينبت بعض الحاقدين المغرضين ليكتبوا كتابات مسمومة عن (فقه قتل الأطفال واسترقاقهم في الشريعة الإسلامية!)،عياذاً بالله تعالى ! والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين.

قائمة المراجع المباشرة

1. شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، ج 2 (633 – 639)

ج 2 (652 – 656)

2. المنحة الإلهية في تهذيب شرح الطحاوية للأستاذ عبدالآخر حماد الغنيمي. (335 – 338)

3. تهذيب شرح الطحاوية، د. محمد صلاح محمد الصاوي.

الاستطاعة وعلاقتها بالتكليف (269 – 273)

4. المواقف لعضد الدين الإيجي. (323 – 330)

5. نظرية التكليف عند القاضي عبدالجبار، للدكتور عبد الكريم عثمان

6. قضية الخير والشر لدى مفكري الإسلام.للدكتور محمد السيد الجليند

7. أحكام أهل الذمة للإمام ابن القيم

8. طريق الهجرتين للإمام ابن القيم (آخره)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين