التغليظ في خيانة القاعدين إخوانهم المجاهدين في أهليهم

 
 
 
إعداد: إبراهيم يوسف منصور.
 
 
الخيانة كلمة بغيضة لأنها عَلم على خُلق ذميم يأباه الطبع السليم والخـُلق الكريم، قبل أن يُقبِّحه ويُنفـِّر منه الشرع القويم.
 
المعاصي والمنكرات كثيرة، ولكنَّ مِن أنكرِها وأقبحِها وأشدِّها مناقضة للإيمان ومنافاة له الخيانة. وذلك لما يجتمع فيها من خِسَّة الطبع وسوء الخلق ورقة الدِّين.
 
جاء في مسند أحمد من حديث أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَة وَالْكَذِب.)
 
وفي سنن أبي داود والنسائي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ.)
 
ولئن كانت الخيانة في كل شيء بغيضة ذميمة، فإن أبغـَضها وأذمها الخيانة في الأعراض وحُرمات النساء.
 
وأذم ذلك الأذم خيانة الغزاة والمجاهدين في أهليهم.
 
ولقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك بالنكال وشدِّد عليه النكير.
 
جاء في صحيح مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم لمَّا أمر برجم ماعزٍ على الزنا قَامَ خَطِيبًا مِنَ الْعَشِيِّ فَقَالَ: (أَوَكُلَّمَا انْطَلَقْنَا غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَخَلَّفَ رَجُلٌ فِي عِيَالِنَا لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ؟! عَلَيَّ أَنْ لاَ أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلاَّ نَكَّلْتُ بِهِ).       والنبيب: صوت التيس عند السِّفاد.
 
وروى أبو داود بسند صحيح - كما قال النووي - عَنْ أَبِى أُمَامَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَال: (مَنْ لَمْ يَغْزُ أَوْ يُجَهِّزْ غَازِيًا أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ أَصَابَهُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.).
 
وقد عقد النووي في شرح صحيح مسلم بابًا في كتاب الإمارة قال فيه: باب حرمة نساء المجاهدين وإثم من خانهم فيهنَّ.
 
وجعله ترجمة للحديث الذي رواه مسلم عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ؛ وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ الْمُجَاهِدِينَ في أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ إِلاَّ وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ؛ فَمَا ظَنُّكُمْ؟!.).
 
وقوله في الحديث: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم.) معناه كما قال النووي: هذا في شيئين؛ أحدهما تحريم التعرض لهن بريبة من نظر مُحَرَّم وخلوة وحديث مُحَرَّم وغير ذلك. والثاني في بـِرِّهن والإحسان إليهن وقضاء حوائجهن التي لا يترتب عليها مفسدة ولا يُتوصل بها إلى ريبة ونحوها. ا هـ.
 
وقوله في الحديث: (فما ظنكم)؟ قال النووي: معناه ما تظنون في رغبته في أخذ حسناته والاستكثار منها في ذلك المقام؟ أي لا يُبْقي منها شيئاً إن أمكنه. ا هـ.
 
ولئن كان الوعيد شديدًا في حق من يخلف الغازي في أهله بسوء، فإنَّ الوعد سخي بالمقابل في حق من خلف الغازي في أهله بخير، يقضي حوائجهم، ويسد خلتهم، ويتعفف عن حرماتهم. ففي الصحيحين عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا.).
 
وفي سنن أبي داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ وَقَال: (لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ). ثُمَّ قَالَ لِلْقَاعِدِينَ: (أَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بخَيْرٍ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ.).
 
وحري بكل مسلم غيور أن تحمله غيرتـُه على نسائه على التعفف عن نساء الآخرين، فكما تـَدين تـُدان.
 
روى الطبراني في الأوسط من حديث عائشة وابن عمر، وأبو نُعيم في الحلية من حديث جابر، والحاكم في المستدرك من حديث جابر ومن حديث أبي هريرة – وقال صحيح الإسناد – وهذا لفظه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم.
 
ورحم الله العلامة المَقـَّري إذ يقول:
عِفـُّوا تعِفَّ نساؤكم في المحرم                وتجـنـبـوا ما لا يـليـق بـمسلم
يا هاتـكاً حُرَمَ الرجال وتابـعـاً                 طرق المفاسد عشتَ غيرَ مكرم
من يَزْنِ في قوم بألـفي درهم                  في أهـله يُزنى بـربع الـدرهم
إن الـزنا دَيْـن فإن أقـرضـتـَه                  كان الوفا من أهل بـيـتـك فاعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين