التَّعليم في الكَتَّاب في مدينة حلب

 

الكَتَّاب ؛ هو مكتبٌ تعليمي تأهيلي يضمُّ بين جوانِحه الفتيان الذين لم يبلغوا الحِنْث، لتأهيل من شاءَ منهم دخول المدارس أو لمَحو الأميَّة عنهم إنْ أرادوا العملَ والكَسبَ في دنياهم ، حيث يتمُّ تحفيظهم قِصار السُّور وتلاوة القرآن الكريم وتَعليمهم أمورَ الطهارة والصَّلاة، وأصول الخطِّ ومبادئ الكتابةِ والحسابِ أو الحسابِ المُزدَوَجِ " الدُّوبيا" . والكتّاب بناء بسيط لا يتعدى، حجرة واحدة متسعة ملحقة بمسجد ليستفاد من مَرافِقِه وتجهيزاته، تُفرَشُ أرضه بحصير يجلس فوقه المعلم ويتحلق حوله المتعلمون، ويكون المعلم متقناً لأحكامَ التجويدِ وبعضَ علوم العربية والشَّرعيَّة ، وكان يتناولُ أجرتَهُ الأسبوعيَّة من كلِّ فردٍ ، والتي كانت تُعْرَفُ بـ "الخَمِيسيَّة" ، لأنَّ الأطفالَ يأتون بها كلَّ يوم خميس، وكانَ الطفلُ إذا ختمَ القرآن الكريم احتفلوا به احتفالاً خاصاً وأقاموا له مهرجاناً زاهياً وحَفلاً عَظيماً وكان هذا الحَفلُ يُعرفُ بـ "النْشيدَة" ، حيث يخرجُ التلاميذُ من الكَتَّاب جميعاً إلى دارِ الطفل في مَوكبٍ مُزدَوجٍ يُنشدونَ فيه الأناشيدَ الدينيَّة . ومتى وصلَوا دارَ الطِّفلِ الذي خَتَمَ القرآن الكريم، يُؤتى بكرسي المصحف فيقفُ الطفلُ أمامَه وهو يلبَسُ ثياباً مزركشة بالفِضَّة، وعلى رأسهِ طربوش مُزيَّنٌ بالذَّهب، ويبدأ بقراءةِ سورةِ الفاتحةِ ودُعاءَ خَتْمِ القرآن الكريم، ثم يتلو القصيدةَ المَعهودة التالية: 

ياربَّنا اغفر لوالدينـــــــــــــا.... لأنَّهم قد أحْســــــــنوا إلينا

كم سَــــــــهِرتْ أعينَهم علينا..... حتى كتَبنا بعد ما قَرينـــــــا

جزاهُم الله نعيماً وكــــــــــرَمْ..... إذ عَلَّمونا بالوَرَق خطَّ القـلمْ

واغفر لمَن علَّمنا القرآنـــــــا....... لأنَّه يستاهل الإحســــــــانا

قام بحقِّ الله في تعلـــــــيمي...... جزاء ربي جنــــــةً ونعيـمِ

وأنت يا أبي ســــبب تعليمي..... دامتْ عليك نعـــمةُ الكــريمِ

وأنت ياأمي فنِعـْــــم الوالدة....... دامتْ عليك نعـــمةٌ وفــائدة

متى أراكِ في الجنـــانِ قاعدة...... مع فاطمة بنت النبي مُشـاهده

وحولك الحُور والولــــــدان....... يَســــــقوكِ من أنهر الجنـان

وشيخنا يســــــتاهل الكرامة...... وخَلْعَةً تزين العِمــــــــــامَة

وشيخُنا يســــــتاهل الجزيلُ..... وألف دينار له قلـــــــــــيلُ

ونأكلُ الكعك مع القِضــــامةْ...... والبندق الشَّــامي مع الحلاوةْ

وغرِّقوا الأولاد بالمــــــاوردِ..... ولاتخــــــافوا عليهم من بردِ

وأنتم يامعشــــــــر الرِّجال..... نجاكم الله من الوبــــــــــال

وأنتم يامعشـــــــــرالصبيان..... انصرفوا في طاعــــة الرحمن

وأنتم يامعشــــــــر الشَّبابِ...... نجــــاكــــم اللهُ من العذابِ

وأنتم يامعشــــــــرَ الصبايا...... نجــــــــــاكم اللهُ من البلايا

وأنتم يامعشـــــــــرَ البناتِ...... نجـــــــــاكم الله من الآفاتِ

وأنتم يامعشــــــــرَ العجائزْ...... الدعا منكم إلينـــــــــا جائزْ

والمُنشــــــدين ربنا أعطيهم..... من كل ســـــــوء ربنا نجيهم

والحمد لله على التَّمـــــــام...... حمداً كثيراً زائد الانعـــــــام

ثَّم يبدأ بقراءة أوَّل سورة البقرة إلى أنْ يصلَ إلى الآية الكريمة: {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } وعندما يصِلُ إلى هذه النقطة من الآية الكريمة يأتي أكبر أولاد الكَتَّاب ويخطف طربوش الطفل ويذهب به إلى والده فيعطيه ما يجود به مع الطربوش، ويوزّع على باقي أطفال الكَتَّاب بعض المال.

• الدُوبْيا ؛ من اصطلاح التجارة، من الإيطالية DOPPIA بمعنى الحساب المزدوج، أي أن تقام لكل ذمة يتعامل معها المحل التجاري ذمّتان: ذمة " من " وذمة " إلى " . 

• الكَتّاب ؛ صاغوا على فَعّال من كَتَب لمن يعلّم الكتابة. وهو الشيخ الذي يتلو من كان يتعلّم القراءة فقط. فإذا علّم الكتّاب مع الكتابة الحساب كان أفضل، وإذا علّم الحساب المزدوج " الدوبيا" كان أعلى و أعلى. وأطلقوا الكَتّاب مجازاً على محل هذا الشيخ. وجمعوها على الكتاتيب. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين