التعليق على مقالات د. معتز الخطيب

نشر د. معتز الخطيب السنة الماضية سلسلة مقالات متتالية تناقش مسألتي الدعاء لغير المسلم بعد موته بالرحمة والمغفرة، وانتفاع الكافر بعمله الصالح يوم القيامة.وقد كُتبت تلك المقالات في فترة وفاة المفكّر السوريّ الراحل ميشيل كيلو. وقد ناقشته حينها على صفحته في فيسبوك ولكنّه لم يتجاوب بالشكل الكافي للحوار بل حذف تعليقاتي، ثم بعد ذلك اعتذر مني على الخاص وطلب مني إعادتها، ولكننّي لم أجد فائدة في الإعادة. ولم أنشر ردّي عليه في حينه. لكنّني اليوم مضطرّ لإعادة نشر تعليقاتي على ما نشره الدكتور معتزّ الخطيب بعد إعادة تداولها مؤخراً بعد الجريمة الفظيعة التي ارتكبها الصهاينة بقتل الصحفية الشجاعة شيرين أبو عاقلة. وأعيد نشر أهم الأفكار التي تضمّنتها مقالات د. معتز الخطيب وأضيف لها بعض ما اطلعت عليه من تنظيرات حول هذه القضية.

لم يفوِّت د. معتزّ غفر الله له أن ينال من السلفية رغم أن المسألة التي يناقشها وينتصر فيها لجواز الدعاء لموتى الكفّار بالرحمة والمغفرة إنما يخالف فيها الإجماع المعقود سلفاً وخلفاً وليس السلفية المعاصرة فقط. (لنتجاوز ذلك). وقع الدكتور في مقالاته في الخلط لدى تناوله مسألتين؛ الأولى: انتفاع الكافر بما يعمل من صالحات في الآخرة (وهي التي أكثر من نقل عبارات الأئمة حولها). والثانية: الدعاء للكافر بعد موته بالرحمة والمغفرة (وهذا ما لم يقل به أحد من أهل الإسلام حتى ابتلينا ببعض المتأخرين وابتداعهم قولاً جديداً لا دليل ولا فقه ولا مقاصد للإسلام فيه). ثم زعم الدكتور حصول الخلاف بين أهل العلم في الدعاء للكافر الميت بالمغفرة والرحمة بحجّة الخلاف المنقول في انتفاع الكافر بأعماله الصالحة، فأوقعه الوهم في خلط وتدليس إذْ لم يختلف العلماء في ذلك. وأما استناده إلى ذلك في تجويز الدعاء للكافر بعد موته بالمغفرة والرحمة فمردود من عدّة أوجه:

استند د. معتز الخطيب إلى كلام أهل العلم سلفاً وخلفاً واختلافهم في انتفاع الكافر بعمله في الآخرة ليُقرّر - متوهما - بذلك اختلافهم في (جواز الدعاء للكافر الميت بالرحمة والمغفرة فيما دون دخول الجنّة وبحدود تخفيف العذاب) وهذه مغالطة. فإن انتفاع من مات من الكفّار بأعماله في الآخرة - في أحد قوليّ أهل العلم - هو مقتضى عدل الله سبحانه وتعالى، قال عزّ وجلّ: "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ () وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ()"، وقال سبحانه في سياق آيات يخاطب بها الكفّار: "فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ".

إن التخفيف عن بعض أهل النّار من الكفّار إنما هو عدلٌ من الله لا رحمة ولا مغفرة. وممّا يدلّ على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلّم في الصحيحين عن العباس رضي الله عنه حين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَا رَسولَ اللَّهِ، هلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بشَيءٍ؟ فإنَّه كانَ يَحُوطُكَ ويَغْضَبُ لَكَ، قالَ: "نَعَمْ، هو في ضَحْضَاحٍ مِن نَارٍ، لَوْلَا أنَا لَكانَ في الدَّرَكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ". وسياق الحديث كما هو واضح متعلّق بانتفاع أبي طالب بما قدّم للنبيّ صلى الله عليه وسلم من عون وحماية في دعوته (عمل صالح). وقد توهّم د. معتز وأوهم القارئ وجود تعارض بين النصوص بزعمه أن بعضها الذي يُفيد انتفاع الكفّار بأعمالهم الصالحة في الآخرة يتعارض مع النصوص الأخرى القاضية بتحريم الاستغفار والدعاء لموتى الكفّار بالرحمة! وهذا غلط بيّن كما تقرّر أعلاه إذ لا تعارض. ومما يدلّ على غلط الدكتور تجويزه الدعاء للكافر بعد موته بالرحمة والمغفرة لتخفيف العذاب:

1. أن الرحمة في الآخرة خاصّة بالمؤمنين إما برفع الدرجات أو بغفران المعاصي. ولا تصل الرحمة للكافر. والآية صريحة في ذلك، قال تعالى: "وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ () الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ()" فلا تكتب الرحمة للكافر، والشاهد في الآية قوله سبحانه: "فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ". وغير ذلك من الآيات كقوله تعالى: "وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ" والصلاة على الأموات هي دعاء لهم، وهذا عامّ يشمل كل أنواع الدعاء ومنه الدعاء بالرحمة. ولا بدّ هنا من مناقشة ما جاء به الشيخ بسّام جرّار حين استدلّ بعموم قوله تعالى في الآيات التي تتحدث عن الإحسان للوالدين: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا". متسائلا عن الآية التي تستثني الوالدين الكافرين مدّعياً عدم وجودها. فإن كان هذا مطلبه فقد سبق في الآيات أعلاه وفيها أنه سبحانه لا يكتب رحمته إلا للمؤمنين بآيات الله سبحانه ويتبّعون النبيّ الأميّ. بالإضافة إلى الآيات المانعة من الصلاة عليهم. وبإجماع أهل العلم أن الصلاة على الميّت هي دعاء له. والنهيُ في الآية هنا عامّ يشمل الصلاة التي شرعها صلى الله عليه وسلم كما تشمل الدعاء أيضا. ولا يخْفى أن آيةَ الإحسان للوالدين مقيّدة بالآيات الأُخر.

ومما قاله الشيخ بسام غفر الله لنا وله في سياق تبريره للدعاء بالرحمة على من مات على الكفر، مستدلّا له بقوله تعالى: "وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ"؛ يقول وأنقل بتصرّف يسير من أجل الصياغة: "هذه الآية جميلة ورائعة، تصوّروا كم مليارا من البشر؟ ثم كم نسبة المسلمين المتديّنين؟ أولئك المستعدين أن يسمعوا ويطيعوا. تصوّروا أن الله العليم الحكيم اختصّكم، كم النعمة عظيمة. كم من أمم تائهة ... والله أعلم بأحوالهم، فما معنى أن يختصّك أنت؟ حتى اختصّك عن كثير من المسلمين من فسّاق ومنحرفين ومرتشين وكذابين ... وطغاة ... وأنت بالذات اختصّك أن تكون من روّاد بيته وأن تكون من أهل الإيمان! "ما يودّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزّل عليكم من خير من ربكم" ... ليس عليك يا محمد، والله يختصّ برحمته من يشاء لما جعلكم تولدون في بيئة إسلامية أنتم بالذات اختصّكم به، وممكن أخوك ابن أمك وأبوك قد ألحد. فاختصّك. فمن الذي يختصّ؟ الله بكل الصفات التي تعلمونها؛ العليم الخبير اللطيف ... أدرك هذا الوسام الذي أعطاك الله إياه ... أنت من ستحمل دعوة الله وأنت من سيبلّغ ... هذا الاختصاص انفراد ولما اختصّك فقد انفردت بالنعمة ستجد أنه ليس فقط على الأمم الكافرة بل أيضا على كثير من المسلمين ... والله ذو الفضل العظيم".

والجواب عن ذلك:

• أنّ في كلام الشيخ بسّام ما يعزّز ما قرّرناه بأن تخفيف العذاب في الآخرة إنما هو محض اختصاص الله سبحانه وتعالى وليس للمرء أن يُدخل في رحمته من حرّم الله إدخاله فيها! وقد نقلنا الآيات القاطعة بتحريمها على الكفّار في الآخرة.

• إنّ سياق الآيات وكذلك شرح الشيخ حفظه الله حول الآية هو في حال حياة البشر أن يختصّ الله برحمته من يشاء وهذا عامّ في كل خلقه، وأما في الآخرة فالآيات واضحة في تخصيصها بالمؤمنين بآياته وبالنبيّ الأميّ كما في آيات سورة الأعراف التي نقلناها أعلاه.

2. أن معنى المغفرة: هو المسامحة والعفو. وتفاوت العذاب على الكفار بحسب كفرهم والتخفيف من عذابهم بحسب صالح أعمالهم لا يمكن في اللغة أن يأتيَ على معنى العفو والمسامحة بل العدالة. فكيف يوصف من لا يزال في العذاب أنه مغفور له أو مسامَح أو مَعفوّ عنه! إنما يُعفى عن المذنب بإسقاط الذنب عنه، وتخفيف العذاب ليس فيه إسقاط للذنب. قال سبحانه: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" أي بعد أن استبان مصيرهم بموتهم على الكفر. وبما سبق يتبيّن ضعف استناد دكتور معتز في ذلك على قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ" من عدة أوجه؛ أحدها أن تخفيف العذاب ليس عفواً ولا مسامحةً وقد سبق، والآخر أن الكفّار هم ممن لم يشأ الله أن يشملهم بمغفرته وعفوه بنصوص أُخرى نقلناها أعلاه. كما أنه لا ذنب أعظم من الكُفر وما سواه من الذنوب تبع له، والتخفيف إنما هو بالعمل الصالح، أما تخفيف العذاب بمزاعم مغفرة الذنوب التي هي أقلّ فغير منطقيّ، فالعذاب بحسب عظم الجُرم، وارتكاب المجرم لأعظم الذنوب موجبة لأعلى درجات العذاب بحسب جرمه، فإذا جمع مع ذنبه الأعظم ذنوباً أُخرى أقل إجراما فإنها تكون مشمولة بأقصى العقوبة، وهذا معروف حتى في أحكام القضاء عندما يُجرّم المتهم بعدّة جرائم فإنه يُحكم له بأعظمها فكيف سيخفف عنه! هذا غلط واضح يُستغرب وقوعه من باحث. وقد وقع في مثل ذلك الشيخ بسّام جرّار في أحد فيديوهاته، ولا بدّ هنا أن نذكّر بالآيات القاضية والقاطعة بعدم التخفيف عن الكفّار؛ قال تعالى: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ () كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ () أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ () خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ()" وقال سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُم كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيهِم لَعنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ () خَـالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ" فكيف فات الشيخ بسّام جرّار والدكتور معتزّ مثل هذه الآيات قطعية الثبوت وقطعيّة الدلالة! فبالسبر والتقسيم بعد ما تقدّم لم يبقَ (عقلا وشرعا وعرفا) إلا أن يكون التخفيفُ من باب العدالة جزاء بما قدّم من عمل صالح فالله سبحانه "لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ". فكيف يُطلب من ربّ العزّة أن يخفّف عن الكافر وقد قضى في كتابه أنه لا يُخفف عنهم!

ومما احتجّ به الشيخ بسّام جرّار أن المسلمين لا يعرفون على ما مات عليه الكافر، لربما آمن قبل موته أو كان يكتم إيمانه، أو أنه لم تبلغه الحجّة الرساليّة (وما كنّا معذّبين حتى نبعث رسولا)، وبالتالي لا يُمنع الدعاء له بالرحمة، وأن قوله تعالى: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" محمول على ذلك! والجواب أن نقول:

1. هذا مخالفٌ لأصل ما ذهب إليه الشيخ بسّام جرّار بأنه إن جواز الدعاء للكافر بالرحمة بعد موته إنما هو طلبا لتخفيف العذاب، ولكنه الآن يجادل في احتمال أن يكون آمن أو أنه معذورو بجهل! فليثبت على قول!

2. أن هذا الكلام الذي قاله الشيخ بسّام حول حالهم في الآخرة صحيح ولذلك عقيدتنا نحن المسلمين أننا لا نجزم ونحكم بالجنة والنار على أحد بعينه، لا مسلم ولا كافر إلا من سمّاهم الله ورسوله بأعيانهم وأسمائهم، لأنّ الله وحده هو الذي يعلم على ما مات عليه المرء، كما أنه لا أحد يعلم إن كان هذا الميّت قد تمّت في حقّه الحجّة وبلغته الدعوة إلى التوحيد والإسلام صافية بلا كدر ولا تشويه، وفي ذات الوقت تجري علينا الأحكام الشرعية الواجبة علينا كمسلين بناء على الظاهر. وعقيدتنا أن نؤمن بما أخبرنا الله به في القرآن على العموم، أن الجنة لمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله كآفة وبالقدر خيره وشرّه. وأن الله حرّمها على الكافرين المشركين، وأن النّار هي مأواهم ومآلهم. أعاذنا الله وإياكم من النار وأهله.

3. الآيات والأحاديث التي ذكرناها في هذا البحث وفيها امتناع النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الدعاء لأمه وعلى الكفّار بعد أن نهاه الله عن ذلك! قاضية على خطأ فهم الشيخ غفر الله لنا وله. فإن قال بأن الله أخبره بحقيقة حالهم في الآخرة، قيل له هذا التخصيص فيه تكلّف فالأية: "ما كان للنبي والذين آمنوا" فهي أمر عامّ للنبيّ والمؤمنين أجمعين فلا تخصيص.

واختلاف أهل العلم في مسألة انتفاع الكافر بعمله الصالح في الآخرة، مسألة مشهورٌ الخلاف فيها، إلا أن الراجح والله تعالى أعلم هو عدم انتفاعه بها، فالآيات كثيرة تحكي صراحة بإبطال عملهم، وأن الكافر لا يستفيد في الآخرة من أعمال الخير التي فعلها في الدنيا بإطلاق. قال تعالى: "وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ". وقال سبحانه: "وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ". وقال تعالى: "وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِه". وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال: "لا ينفعه إنه لم يقل يوماً ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين". فمن قال من أهل العلم بالانتفاع حمل الإحباط في الآيات على معنى إنقاذه من النار وإدخاله الجنة، واعتبر عذاب أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم من باب تخفيف العذاب بما قام به من عمل. وأما من منع انتفاع الكافر بأعماله الصالحة في الآخرة مطلقا حمل ما ورد في حديث عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم على أنها كرامة له صلى الله عليه وسلم بنص الحديث (لولا أنا). والراجح والله أعلم هو عدم صحّة القول بالتخفيف بسبب الأعمال فقد قال سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ( ) خَالِدِينَ فِيهَا ۖ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ" فهذه آية صريحة في عدم تخفيف العذاب عنهم، وما كان من عقاب لعم النبيّ صلى الله عليه وسلّم كما في الصحيحين فهو استثناء خاص للنبيّ صلى الله عليه وسلم والشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أنا)، وربما استفيد منها أن هذا القدر من العذاب هو في حق كلّ من كان حاله مع الدعوة والإسلام كحال أبي طالب مع ابن أخيه صلى الله عليه وسلم.

قال الدكتور: "وإذا عدنا إلى كتب المذهب، نجد بعض أئمة الشافعية ينصّون على أنه يجوز الدعاء للكافر بأمر أخرويّ وبالمغفرة والرحمة؛ خلافا لما أوهمه كلام النووي من إطلاق القول بالتحريم، كما نجد مثلا لدى الخطيب الشربيني (977 هـ)، وأحمد سلامة القليوبي (1069 هـ)، وإبراهيم البرماوي (1106 هـ)، وسليمان البجيرمي (1221 هـ)" اهـ . وللأسف فإن الدكتور معتزّ أيضا اشتبه عليه الأمر فوقع في الوهم دون قصد؛ فإن كلام أئمة الشافعية في هذه المسألة إنما هو في الدعاء للكافر الحيّ وليس الميّت. وما نقله الدكتور عن متأخري الشافعية ينحصر في الكافر الحيّ بمجموع كلامهم، فمن نقل من المتأخرين الجواز في الكافر الميت فقد وقع في الوهم. وتبيان ذلك:

1. ما جاء: "في استحباب الدعاء للكافر خلاف. واعتمد الجواز ، وأظن أنه قال: لا يحرم الدعاء له بالمغفرة إلا إذا أراد المغفرة له مع موته على الكفر ، وسيأتي في الجنائز التصريح بتحريم الدعاء للكافر بالمغفرة. نعم إن أراد اللهم اغفر له إن أسلم أو أراد بالدعاء له بالمغفرة أن يحصل له سببه وهو الإسلام ثم هي فلا يتجه إلا بالجواز" ا هـ هذا نص حاشية ابن قاسم على شرح المنهج.

2. وفي حاشية البجيرمي على شرح الخطيب: "ويحرم الدعاء للكافر بالمغفرة ، نعم إن أراد اللهم اغفر له إن أسلم أو أراد بالدعاء له بالمغفرة أن يحصل له سببها وهو الإسلام فلا يتجه إلا الجواز" ا هـ.

وقد تابعت ما نقله الشيخ عصام تليمة عن المذهب الشافعيّ وتقليده للدكتور معتز الخطيب، ناقلا عن الشبراملسي في حاشيته على نهاية المحتاج: "قوله : لقوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به} فيه أن الدليل أخص من المدعى ; لأن الآية إنما تدل على معنى مغفرة الشرك ، وربما تدل على مغفره غيره لعموم قوله تعالى {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وذلك يدل على جواز الدعاء له بمغفرة غير الشرك" اهـ. وكذلك نقله من حاشية القليوبي ج1 / 367: "يجوز إجابة دعاء الكافرين، ويجوز الدعاء له ولو بالمغفرة والرحمة، خلافا لما في الأذكار إلا مغفرة ذنب الكفر مع موته على الكفر فلا يجوز" ا ه. وهذا وهم منهما، إذ ما من عاقل يقول أن المجرم إذا فعل عدّة جرائم فعوقب بأقصى العقوبة المتعلقة بأعظم جرائمه أن يُقال بأنه قد غفر له ما دونها! فكيف يُقال عن الكافر والمشرك إذ عوقب بالخلود في النار أنه قد يغفر الله له ما دون الكفر والشرك! فلو قدّرت عقوبة لمعصية الكافر بالزنى فإن عقوبة الشرك والكفر أشد وأعظم منها وقتا ومقداراً فلا يمكن أن يُطلب مغفرة معاصي ما دون الكفر والشرك! وقد غفل الشبراملسي عن ذلك. ومعلوم في القضاء أنّ المجرم يعاقب بأعلى جرائمه (وكمثال: حبسا وأشغالا شاقّة) ولا يُقال بأن جرائمه الأخرى قد غُفرت له بل هي مشمولة بأعلى العقوبة.

ثم وفقني الله لتحقيق ماتع للأستاذ أحمد شوقي السعيد يحقّق فيها ويجلّي اللبس الذي وقع فيه من احتج بكلام القليوبي رحمه الله وما كان في معناه من بقية النقول. ويمكن الاطلاع عليه من هـــنا

ومما وقع فيه الشيخ عصام تليمة نقله من حاشية الشرواني على تحفة المحتاج في شرح المنهاج للهيتميّ، وغلط الشيخ عصام بقوله (الشبراوي)، فنقل الآتي عن حاشية الشروانيّ: "والصلاة من أحكام الدنيا خلافا لمن وهم فيه، ويظهر حلّ الدعاء لهم بالمغفرة لأنه من أحكام الآخرة بخلاف صورة الصلاة". اهـ. ولو أن الشيخ عصام دقّق قليلا لرأى أن هذا كلام الهيتمي رحمه الله تعالى بنصّه. يقول الهيتمي في شرحه: "وعلى ( الكافر ) بسائر أنواعه لحرمة الدعاء له بالمغفرة قال تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} الآية. ومنهم أطفال الكفار فتحرم الصلاة عليهم وإن كانوا من أهل الجنة سواء أوصفوا الإسلام أم لا لأنهم مع ذلك يعاملون في أحكام الدنيا من الإرث وغيره معاملة الكفار *والصلاة من أحكام الدنيا خلافا لمن وهم فيه ويظهر حل الدعاء لهم بالمغفرة لأنه من أحكام الآخرة بخلاف صورة الصلاة*". اهـ. فكلام الهيتمي رحمه الله تعالى إنما هو في سياق حديثه عن أطفال المشركين، وهو الأليق به إذ في غير موضع من تحفة المحتاج يقول رحمه الله: "يجوز الدعاء للكافر بنحو صحة البدن، والهداية" اهـ . بل إن الشروانيّ في حاشيته 2/88 قال: "وقد يكون كفراً كالدعاء بالمغفرة لمن مات كافرا". أكتفي بهذا القدر مما ذكره الشيخ عصام طلبا للاختصار.

يقول الدكتور: (وإذا ما عدنا إلى الدلائل النصية على المسائل المبحوثة في هذه المقالات نجد أنها متعددة ومتعارضة في الظاهر، فإن حُملت على عمومها تعارضت دلالاتها، وإن اجتزئ بعضها دون بعض وقعنا في الاستشهاد لا الاستبصار. فإذا تتبعنا كتب التفسير وشروح الحديث نجد حيرة في تأويل تلك النصوص ولذلك تعددت التأويلات) اهـ. ولا بدّ هنا أن أعيد التذكير بأن ما اختلف الفقهاء فيه من دلالات النصوص ونقله لنا الدكتور كان حول (التخفيف بالأعمال الصالحة) وليس في مسألة الدعاء للكافر بعد موته بالمغفرة والرحمة. وهذا الخلط الذي أنبه الدكتور على ضرورة تجاوزه. وكل محاولاته الربط بين المسألتين ضعيفة ومهلهلة ناتجة عن وهم وعدم تمحيص كما بيّنتُ سابقا. فمن دعاوى التعارض التي تناولها الدكتور معتز قوله تعالى في سورة التوبة: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" وزعم معارضتها بآيات من سورة إبراهيم: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ () رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ () رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ" مستدلّاً بدعاء إبراهيم (ربنا اغفر لي ولوالديّ)، وكما هو معلوم فإن أبا إبراهيم كان كافراً! لكن الدكتور لم ينتبه للآية التي تلت آية سورة التوبة، ولو أتم الآية التي بعدها لما وقع في هذا الخطأ. قال تعالى: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ () وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ". فبيّنت الآية ما حسبه الدكتور تعارضا؛ الأول: أن استغفار إبراهيم كان موعدة وعد إبراهيمُ أباه بها. والثاني: أن الآية في سورة التوبة تمنع الاستدلال بدعاء إبراهيم، والثالث: أن آية سورة إبراهيم وآية سورة التوبة كليهما تنصان على منع الاستغفار لمن استبان كفره والمقصود هنا مآله بالموت على الكفر والعداوة لله". وكأن الحق سبحانه وتعالى بعد ذكر الآية الأولى (ما كان للنبي ...) الآية علم أن القارئ سيتذكّر دعاء إبراهيم لأبيه فكان الجواب مباشرا بأن هذا كان (وعدا من إبراهيم لأبيه) قبل أن ينتهي عليه السلام عن الاستغفار له بعد أن استبان له أنه هالك على الكفر "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ". وقول الله سبحانه في سورة إبراهيم: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَر" في بداية دعاء النبي إبراهيم عليه السلام لا دلالة واضحة فيها على أن الدعاء كان بعد موت أبيه ولا يمكن الجزم بذلك وهي محتملة! وآية التوبة واضحة قاطعة في نفي مثل هذا الاحتمال، تنصّ على انتهاء إبراهيم عن ذلك! فلم كلّ هذا التكلّف!

إن ما قررتُه في هذا التعقيب يتّسق مع المنطق والفقه والأخلاق:

• ـ أما المنطق: فلا تعارض بين حصول التفاوت في عذاب الكفّار بحسب دركاتهم، وبين عدم الدعاء للكافر بعد موته والخلط بين المسألتين غلط محض.

• ـ وأما الفقه: ففهم النصوص ودلالاتها لا تعارض فيها بين (حتمية تفاوت عذاب الكفار بحسب أعمالهم) وبين (المنع من الدّعاء للكافر بعد موته بالرحمة والغفران)

• ـ أما الأخلاق: فلأن من خلق المسلم أن يحزن على موت الكافر قريباً كان أو جاراً أو صاحب يد بيضاء وعمل خيّر، وأن يصبّر أهلهم ويسعى في خدمتهم، ويخفّف عنهم، ويساندهم، فهذا من أخلاق المسلم. وحصر الأخلاق والمعاملة الحسنة بمجرد مخالفة نصوص الوحي القطعية في الدلالة والثبوت خطأ محض يُنزّه عنه المسلم.

أن الكافر الميّت وأهله لا يؤمنون بالإسلام ولا بما يوجب الجنة والنار والرحمة وفق تعاليم الإسلام. فالدعوة لهم ليس فيها مديح أو ثناء. وعندما سيبحثون عن حال فقيدهم في الآخرة سيسألون القسيس ورئيس كنيستهم. كما أن أهل الميّت لربما يأخذون صورة وانطباعا سيئا وسلبيا عن هذا المسلم، بأنه ينافق ويتملّق حين يبلغهم ما يعتقده في ميّتهم وخلوده في النار، وأن دعاءه ليس إلا سؤالا للتخفيف يخفيه ولم يُبده إلا في نقاشه لمخالفيه من المسلمين فيطلعون على النقاشات فيحقدون عليه ويكرهونه أكثر ويحصل شرخ كبير في العلاقة يصدّهم بها عن سماع الحق منه، وهذا أيضا ينسحب على المخالف الذي يتحدث في المسألة في وقت حزن أهل الميّت على فقيدهم فيخسر الطرفان طيب العلاقة وحسن استماعهم للدعوة من كليهما. إن الكفار سيحترمون الشخص الذي لا ينافقهم على حساب دينه ومعتقداته وقناعته، ولكنه يعاملهم بدينه فيحزن على الفقيد ويعبّر عن الخسارة بموته، ويصبّر أهله ويساعدهم ويقف إلى جانبهم، ويتحدث عن محاسن ما قدّم الميّت وجميل أخلاقه وسجاياه، وتوجيه الناس للتحلّي بما كان يحمله من تلك السجايا والمواقف والقيم والخير. ويشكر ما كان منه بالإشادة بها وإحياء ذكرها. وأن من ديننا وشرعنا ألا نجزم بالنار بحق شخص معيّن مهما كان ظاهر حاله لنا، فلا يعلم على ما مات عليه إلا الله. هذا الصدق الكامل والحقيقيّ يبني احتراماً لك في قلوبهم ويدفعهم للسؤال والاطلاع والبحث، ويجعل من كلامك وتوجّهك نحوهم بالدعوة أكثر تقبّلاً.

إن رحمة الله في تخفيف العذاب إنما هي لعصاة المسلمين والموحدين. وبيانه أن الحساب في الآخرة مبني على العدل الإلهي (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). ومآل الناس في الآخرة على صنفين؛ أهل النار المستقرون فيها وهم الكفّار، وأهل الجنّة المستقرون فيها وهم المؤمنون الموحّدون. مقدار نعيم أو عذاب كل صنف مبنيٌّ على ميزان العدل فأهل التوحيد والإيمان بالعدل يجازون على الأعمال الصالحة درجات بعد أن وجبت الجنة لهم دارا ومستقرا بأصل التوحيد الذي به يثبت الإسلام. وأما العاصين منهم معصية توجب العذاب فدائرة تحت المشيئة بين مغفرتها أو التطهير بالعقوبة في النار فيها وهنا المغفرة والرحمة. وأما أهل النار المستقرون فيها (الكفار والمشركون) فكذلك هم فيها دركات في العذاب بعد أن وجبت لهم النار دارا ومستقرا بالكفر والشرك ونقضهم لأصل التوحيد، فمن لم يزد أن ظلم نفسه بالكفر والشرك منهم، ولم يطغ ويزيد في الكفر فالعدل يقتضي ألا يُساوى في الدركات مع من جمع مع الكفر الطغيان والإجرام والظلم. وأما ما قام به من الأعمال الصالحة والبرّ والخير، فقد جاءت النصوص بأنها لا تنفعه ولا تصله في الآخرة.

وأخيرا؛

وأنا أختم هذه السطور، فُجعت بمنظر بعض المسلمين في فلسطين الحبيبة يصلّي صلاة غائب على القتيلة المظلومة شيرين أبو عاقلة! ففجعت من هول الصدمة، فأسأل الدكتور معتزّ والشيخ عصام تليمة هل سيكون الصمت سيّد الموقف في مقابل ارتفاع الصوت في مسألة الدعاء! أم أنّ طرائق النبش من بطون التراث جاهزة حتى تُلفّق فتوى بجواز ذلك! نعوذ بك اللهم من درك الشقاء وشماتة الأعداء ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم. والله تعالى أعلم وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين