التصور الإسلامي لتنمية المجتمع

ذ. أحمد أيت المقدم

     يعرف بعض الباحثين التنمية بأنها: استخدام الدولة لإيراداتها ونفقاتها بما يحقق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ظل ما تعتقد من عقائد وفي حدود إمكانيتها المتاحة[1].
      ويشترط كذلك في هذه الوسائل أن تكون السياسة في الإسلام مبنية على أسس العدل والرحمة والتوفيق بين المصلحة العامة ومصلحة الأفراد، ولضمان أن تتصف بذلك لا بد من توفر أمرين[2]:
      أولاً: أن يراعي في الحصول على الإيراد العدل والمساواة بحيث لا يطالب فرد بأكثر مما تتحمله طاقته وتستدعيه الضرورة.
      تعتمد السياسة المالية لتحقيق أهدافها على الأدوات المالية للنظام أي على الإيرادات العامة والنفقات العامة بمختلف أنواعها.
      ويرى المفكرون الماليون أن أدوات السياسة المالية في الإسلام هي نفس الأدوات المالية في النظم المالية الوضعية وهي الإيرادات العامة والنفقات العامة بمختلف أنواعها[3]. والذي نراه أن الاتفاق بين السياسة المالية في الإسلام وغيرها هو اتفاق في الإطار والشكل العام، حيث أن السياسة المالية في الإسلام تستخدم الإيرادات العامة بمختلف أنواعها، والنفقات بمختلف أنواعها كأدوات لتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والسياسة، ولكن الخلاف يقع في الجوهر، فالإيرادات العامة في الإسلام ليست نفس الإيرادات في النظم الوضعية لا من حيث أنواعها ولا كمياتها وأحجامها ولا من حيث أهميتها.. فمثلاً تعتبر الضرائب في النظم الوضعية أهم الإيرادات العامة كما أنها أكثر الأدوات فعالية في تحقيق أهداف السياسة المالية وتعتمد عليها في ذلك بشكل كبير، بينما تعتبر الضرائب في الإسلام من الإيرادات الاستثنائية التي تفرض في حالات خاصة وبشروط خاصة[4]. وكذلك فإن طبيعة الإنفاق العام في الإسلام له طبيعة تختلف عن النظم الوضعية من حيث تحديد الحاجات وأهميتها في الإشباع وترتيب الإنفاق حسب الأولوية. ويمكننا تلخيص أوجه الاختلاف في الأمور التالية:
      1- اختيار الأدوات المالية التي يعتمد عليها، أي اختيار أنواع الإيرادات العامة التي يعتمد عليها في تغطية النفقات العامة وطرق استخدامها في الوصول إلى الأهداف؛
      2- تحديد حجم هذه الأدوات (أي الكميات المالية المستخدمة من الإيرادات والنفقات العامة)؛
 
      3- تحديد الأهمية النسبية لكل نوع من أنواع النفقات العامة، ولكل نوع من الإيرادات العامة ولتوضيح الفرق الجوهري بين أدوات السياسة المالية في الإسلام، وأدوات السياسة المالية الوضعية؛ فإن الإسلام وقبل كل شيء يختار الأدوات المالية المباحة التي تتفق مع الشريعة الإسلامية ومقاصدها ولا تتعارض مع النصوص والقواعد الكلية، فمثلاً لو كان الهدف الذي نريد تحقيقه هو تخفيف التفاوت والفجوة في مستوى الدخول وإعادة توزيع الدخل القومي، فالسياسة المالية الوضعية تعتمد على فرض ضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة كأداة للوصول إلى هذا الهدف، بينما نجد أن السياسة المالية في الإسلام تستخدم أدوات مغايرة تماماً فالسياسة المالية في الإسلام تعتمد على الزكاة كأداة رئيسة وطبيعية لعلاج هذه الظاهرة؛ فإن لم تكف هذه الأداة وظل الاختلال يهدد البنية الاجتماعية فيمكن اللجوء إلى أدوات أخرى مثل تشجيع الأغنياء على الإنفاق الخيري، أو عن طريق التسعير الجبري لخدمات العمل أو منع الأفراد من امتلاك واستثمار بعض وسائل الإنتاج وحصرها في يد الدولة كما يمكن اللجوء إلى (التوظيف) كحل نهائي لمعالجة هذه المشكلة، وكل هذه الأدوات يمكن أن تلجأ لها السياسة المالية في الإسلام للوصول إلى هذا الهدف ولكن هناك مشكلة في تحديد الطريقة التي يعتمد عليها في عملية الاختيار؟ فعملية الاختيار ليست مسألة سهلة بل تحتاج إلى دراسة وافية للآثار والنتائج المترتبة عن استخدام أي أداة، كما لا بد من معرفة الآثار الجانبية لاستخدام هذه الأداة على الأهداف الأخرى للسياسة المالية للدولة بحيث يتم تقليل هذه الآثار السلبية قدر الإمكان.
      والطريقة التي نقصدها في هذا المجال -أي عملية اختيار أنسب الأدوات للوصول إلى الهدف- نعرف "بقواعد الموازنة والترجيح" بين الأدوات المختلفة ومن خلال هذه القواعد نستطيع أن نتحكم في عملية الاختيار بحيث نأخذ بأفضل الوسائل لتحقيق الهدف بحسب الظروف ونمط الحياة الاقتصادية السائدة في المجتمع والتأثيرات الجانبية لاستخدام أي أداة من هذه الوسائل. ولا شك أن الاعتدال في تحقيق أي هدف يعتبر من الوسائل الناجعة في هذا المجال فيقلل في السلبيات والتأثيرات الجانبية على الأهداف الأخرى؛ لأن الإفراط في تحقيق هدف معين قد يؤدي إلى الابتعاد عن الأهداف الأخرى كما هو الحال في التفريط في هذا الهدف.
-------------------------------------------------------
 1. عوف محمد الكفراوي، السياسة المالية والنقدية في ظل الاقتصاد الإسلامي –دراسة تحليلية مقارنة، الإسكندرية: مكتبة الإشعاع للطباعة والنشر والتوزيع، 1997، ص 196 .
 2. عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه، مكتبة الدعوة الإسلامية، ط: 8، 2002، ص: 109.
 3. انظر منذر قحف، الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص: 21. محمد مرسي لاشين، التنظيم المحاسبي، مرجع سابق، ص: 104- 105، شوقي دنيا: تمويل التنمية في الاقتصاد الإسلامي، ط1، 1984، مؤسسة الرسالة، بيروت، ص: 581.
 4. الضريبة في النظام الإسلامي، رفعت العوض، موسوعة الإدارة المالية في الإسلام، ج. 3، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، عمان، ص: 1094

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين