الترحم على ملحد يستعلن بإلحاده

ما كنا نخشاه سابقا ونتندّر به صار حقيقة، وهو الترحم على ملحد يستعلن بإلحاده ويسخر من الدين وينشر قيما مناقضة له، أي التوسل بمفهوم ديني لتكفين نهاية ملحد! وفي هذا مفارقة، كما أن فيه دلالة على فطرة الدين التي تنفجر حتى في الأوساط المعادية للدين. وعموما، هذه بعض الأجوبة الضابطة لما يحدث من جدل مؤخرا:

- هل يقرر المسلمون من يدخل الجنة؟

لا أحد يقرر من يدخل الجنة ومن يدخل النار. هذه بدهية يعرفها أطفال المسلمين، ويعرفون أن الله عز وجل {يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}، وأنه سبحانه {مالك يوم الدين}، لا يتدخل البشر بشيء من ذلك، هو الذي يفصل بين الناس يوم القيامة.

أما المسلمون الذين يتحدثون عن مصير النار في سياق وفاة ملحد مشهور فهم يعبرون عن "حكم اعتقادي" لا يجوز لهم اعتقاد غيره، ولكنهم لا يعبرون عن "حكم قضائي".

- طيب من الضروري ذكر هذا الحكم الاعتقادي والتحذير من الترحم حين يموت أحد مشاهير الملاحدة؟

نعم هذا مهم؛ لأن المسلمين يعتقدون بأن الحياة الواقعية التي خُلقوا ليعيشوا فيها أرحب مساحة من هذا الحيّز الضيق الذي يسمى "الحياة الدنيا"، أي أنهم يعتبرون أن الدنيا هي مكان للاختبار ثم ستكون هناك دار آخرة هي دار الخلود. بخلاف المذهب العلماني الذي يحصر اهتمامات الإنسان في هذه الدنيا، ولا تهمه أي مصلحة أخروية خارج نطاق العالم.

ومن ثم فحين يستعلن المسلمون بموقفهم الاعتقادي من ملحد شهير يموت فإنهم يذكرون أنفسهم والغافلين بحقيقة هذه الحياة، وأن الإنجاز الدنيوي المادي مهما كان ضخما فلا قيمة له، كما قال تعالى عن الكافرين: {وقدمنا إِلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}. وكما قال سبحانه: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سرِيع الحساب}.

إنّهم يعتبرون التذكير بهذه الحقيقة في هذه المناسبة (وهي وفاة ملحد شهير بل له دعوة مضادة للإسلام) أمرا ضروريا جدا وحيويا جدا ونبيلا جدا. ومن ثم فهم لا يفهمون سبب انزعاج بعض الناس من التذكير بهذه الحقيقة، فضلا عمن يعترضون ويريدون إدخال هذا الملحد الجنة التي لم يكن يؤمن بها!

وتصوروا لو أنّ المسلم يزعم أنه لا يعرف مَن يدخل الجنة ومن يدخل النار، أو يعتقد بأنه يمكن للملحد دخول الجنة وقد يخلد المسلم المؤمن في النار! حينئذ تختلط المفاهيم بل لا يعود هناك قيمة للدين أو مفهوم واضح له. بل سيكون من السذاجة الحديث عن جنة ونار طالما أن أوصاف الداخلين إلى كل منهما غير معروفة لأحد، إلى درجة إمكان دخول ملحدة محاربة للدين وداعية للفجور إلى الجنة!

الخلاصة أن الحديث عن مصير النار وحرمة الترحم في سياق وفاة ملحد مشهور ليس تدخلا في شأن إلهي، بل اهتمام بأثر ذلك الدنيوي على المسلمين، أي أن لهذا الحديث مهمة حيوية في التذكير. و"التذكير" و"الاعتبار" هي من المفاهيم المحورية في القرآن. وحتى يظل معيار الدين هو الذي يحكم منطلقاتنا في هذه الحياة، فمسائل الترحم والجنة والنار مرتبطة بالإيمان والإسلام حصرا، أما كل موقف ثوري أو خيري دنيوي غير مرتبط بالإيمان فلا ينبغي أن يُحشر في مسائل الآخرة والغيب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين