التربية عند معروف الكرخي (1)

الرفق بالعصاة والدعاء لهم عند معروف الكرخي

جاء في صفة الصفوة (لابن الجوزي 2/318-323 بتحقيق الفاخوري وقلعجي، الطبعة الثانية، دار المعرفة بيروت) الآتي:

"وعن إبراهيم الأطرش قال كان معروف الكرخي قاعدا على دجلة ببغداد إذ مر بنا أحداث في زورق يضربون الملاهي ويشربون فقال له أصحابه أما ترى أن هؤلاء في هذا الماء يعصون الله إدع عليهم فرفع يده إلى السماء وقال إلهي وسيدي أسألك أن تفرحهم في الجنة كما فرحتهم في الدنيا فقال له أصحابه إنما قلنا لك أدع الله عليهم لم نقل لك أدع الله لهم فقال إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم بشيء".

إنها نفسية مملوءة بالحب والصفاء وإرادة الخير للناس

وهذا منسجم مع التربية النبوية، فما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه إلا بالهدى، وكان يحزن عليهم إلى درجة جعلت الرحمن الرحيم يواسيه، ويشفق عليه من هذه المعاناة النفسية التي يعيشها رسول محب لقومه، وهم يؤذونه بإعراضهم وصدودهم وإيذائهم، قال تعالى:(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)/الكهف.

قال الطبري:

"يعني تعالى ذكره بذلك: فلعلك يا محمد قاتلٌ نفسك ومهلكها على آثار قومك الذين قالوا لك لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا تمردا منهم على ربهم، إن هم لم يؤمنوا بهذا الكتاب الذي أنـزلته عليك، فيصدقوا بأنه من عند الله حزنا وتلهفا ووجدا، بإدبارهم عنك، وإعراضهم عما أتيتهم به وتركهم الإيمان بك. يقال منه: بخع فلان نفسه يبخعها بخعا وبخوعا، ومنه قول ذي الرُّمة:

ألا أَيُّهَــذَا البــاخِعُ الوَجْـدُ نَفْسَـهُ=لِشَــيْءٍ نَحَتْـهُ عَـنْ يديـه المقـادر

انتهى.

هكذا يجب أن يكون لسان الداعية وقلبه، ينبوع ماء عذب لا يخرج منه إلا ما هو طاهر مطهر يحتاجه للري والنماء العباد والبلاد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين