التربية الصحية في ضوء الإسلام (3)

رابعاً: التربية الصحية في مرحلة التمييز:

ومُدَّة هذه المرحلة تبدأ من السنة السابعة، وتمتدُّ إلى البلوغ؛ لأنَّ بداية السابعة بداية الأمر بالصلاة وتعليم أحكامها. كما ورد في الحديث المشهور (1)، وتقابل هذه المرحلة مرحلة التعليم الابتدائي.

وتمتاز هذه المرحلة بأنَّ الطفل يزداد نمواً من الناحية الجسميَّة والنفسيَّة والعقليَّة أكثر من المرحلة السابقة، ويستطيع أن يتعلَّم أشياء كثيرة، كما يستطيع أن يقوم ببعض الأعمال والواجبات والمسؤوليات.

ولهذا كانت هذه المرحلة أول مرحلة تربويَّة وتعليميَّة جادَّة، وأخذت معظم الدول بنظام التعليم الإجباري لهذه المرحلة.

وعلى هذا الأساس تتميَّز التربية الصحيَّة في هذه المرحلة بما يلي:

1- تكوين الوعي الصحي لديهم بتبصيرهم بأسباب الأمراض المختلفة بالوسائل العلميَّة الحديثة، وينبغي تنفيرهم من القذارة وذلك بإظهار الجراثيم الموجودة فيها بالمجهر والآلات الحديثة، وبعرض الأفلام والإعلانات الصحيَّة في المدارس.

2- إلزامهم بالسلوك الصحي وفقاً للوعي والمعرفة الصحيَّة في البيت والمدرسة والمجتمع، حتى ينشأ عليه ويعتاده.

3- تكوين الشعور بالمسؤوليَّة الصحيَّة عن أنفسهم وغيرهم في البيت والمدرسة والمجتمع، وذلك ببيان كيف أنَّ الإنسان بإهماله المبادئ الصحية قد يكون سبباً لمرضه ولمرض غيره، وكيف أنَّ بعض الأمراض تحصد الأفراد وتهدم البيوت والأسر، كما ينشَّأون على ممارسة هذه المسؤولية فيها بينهم فيأمرون غيرهم بالالتزام بالمبادئ الصحيَّة إذا وجدوهم يهملونها وينهونهم عن الخروج عليها في المدرسة والبيت.

4- يجب الاهتمام بالتغذية اللازمة والنظاميَّة: 

لأنَّ نقص الغذاء في هذه المرحلة يؤدي إلى النقص في النمو الصحي، كذلك الالتزام بنظام التغذية الصحيَّة من مبادئ التغذية الصحيَّة، وينبغي أن يتناولوا الأغذية التي تحتوي البروتينات والفيتامينات والنشويات والسكريات والدهنيَّات، والأغذية التي تحتوي هذه الأشياء مذكورة في الكتب الطبيَّة بالتفصيل وعالجناها في بحث آخر(2). 

كما ينبغي الاهتمام بطريقة الطهي في التغذية؛ لأنَّ هناك طُرقاً خاطئة في الطهي تؤدي إلى زوال الفيتامينات والبروتينات.

كما يكون هناك تسمُّم غذائي يحصل نتيجة الأخطاء أو الجهل بطرق التغذية، وقد يكون هذا التسمُّم قاتلاً وقد يكون من أسباب الأمراض. 

فيجب أن تَعرف الأمهات وصانعو الأطعمة في المدارس الطرق الصحيَّة لعمل الأغذية، ولابدَّ من الرجوع إلى الكتب الطبية في هذا الميدان (3). 

وهذه الأمور العلميَّة يجب الرجوع إلى مصادرها، وقد أمرنا بالسلوك العلمي دينا. 

وإذا أقدم الإنسان على شيء بدون علم كان مسؤولاً أمام الله تعالى، لهذا قال سبحانه: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:36] . 

وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (الحكمةُ ضالَّةُ المؤمن، أنى وجدها فهو أحقُّ بها)(4) وفي رواية أخرى: (الكلمة الحكمة ضالة المؤمن)(5).

5- التشجيع على الرياضة والنزهة:

فالرياضة تساعد على النمو، وعلى نشاط الدورة الدمويَّة، وعلى النشاط الذهني وإراحته من عناء المذاكرة والتعلم. 

وقد تتمُّ عن طريق الأنشطة المدرسيَّة، وخير الرياضة التي يمكن أن يقوم بها الأطفال بأنفسهم السباحة. 

فالسباحة مُنشِّطة ومطهرة للجسم إذا كان الماءُ طاهرا، وهي خير الرياضة من حيث إنَّها تجعل جميع أطراف الإنسان وجميع عضلاته ومفاصله تتحرَّك في آن واحد، كما أنها تفيد الإنسان في مُستقبل حياته، فقد تكون وسيلة النجاة من المغرق في حالات الوقوع في المياه، ولهذا روي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم قولهم: (علِّموا أبناءكم السباحة والرماية...)(6).

ومن الأهميَّة بمكان أيضاً بيان أهميَّة النزهة والخروج بالأطفال إلى البساتين والحدائق والغابات من حين إلى آخر؛ لأنَّ في ذلك تجديداً للهواء النقي، إذ من المعلوم أنَّ الأشجار تمتصُّ الغازات السامَّة وتنشر الأوكسجين، وهو مهم للصِّحَّة، وكذلك الاستراحة تحت ظلال الأشجار، مُفيد للأعصاب ومُريح للبال وراحة للنفس.

6- ومن مبادئ الصِّحَّة العقليَّة إشباع الحاجة إلى الاطلاع وتجنب التناقضات:

إنَّ الأطفال يدركون التناقضات في هذه المرحلة سواء كان التناقض بين الآراء والأقوال، أو كان بين الأقوال والأفعال؛ ذلك أنَّ التناقض يضعُ الطفلَ في حَيْرة من أمره، ويعوق نموَّه العقلي، وإذا زادت التناقضات في الأسرة وفي المدرسة أو بين الآباء وبين البيت والمدرسة، زادت درجة النقص في النمو العقلي، وقد يؤدي الأمر إلى الجنون في النهاية إذا كان شديدا وكثيراً وإذا يئس منه.

ولهذا فمن الخطأ أن يأمر أحد الآباء الطفل بشيء وينهاه الآخر عنه، أو تأمره المدرسة بأمر وتنهاه عنه الأسرة، كذلك من الخطأ الشنيع أن ينهى الآباء الطفل عن فعل شيء أو تناول شيء هم يفعلونه. ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصَّف:2-3].

ومن الأهميَّة بمكان أيضاً إشباع حاجة الطفل إلى الاطلاع، فكما أنَّ أية حاجة أساسيَّة إذا لم تشبع تؤثر في النمو الطبيعي بدرجة حرمان الإنسان منها، فكذلك الحاجة إلى الاطلاع فإنَّها من الحاجات العقليَّة، والأطفال مُولعون إلى معرفة كل ما يرونه ويشاهدونه باللمس أحيانا، والذوق والشمِّ أحيانا أخرى، ويحاولون فتح الأشياء والعُلَب المقفولة، وكلما كانت درجة ذكائهم عالية كانت درجة بحثهم وتنقيبهم عن الأشياء أكثر أيضاً، وإذا منع الأطفال من حب الاطلاع هذا قد يُصابون بالتجمُّد العقلي أو التبلُّد الذهني، وذلك بالرغم من وجود الاستعداد الوراثي المتفوِّق عندهم.

(1) فتح الباري بشرح البخاري 13\35 كتاب الآداب.

(2)المستدرك على الصحيحين في الحديث 1\163، كتاب الصلاة. انظر أيضاً: سنن الترمذي 1\253، مختصر سنن أبي داود 1\270.

(3) توجيه المتعلم في ضوء التفكير التربوي والإسلامي الباب الأول \ دار المريخ، والرياض.

(4) انظر مثلاً:

أ‌) الغذاء أولاً\ الدكتور بول شان ترجمة عبد الله اسكندر، دار العودة – بيروت

ب‌) طبيبك معك للدكتور صبري القاباني. دار العلم للملايين.بيروت.

(5)المقاصد الحسنة 1\191، الإمام الحافظ السخاوي. مكتبة الخانجي. القاهرة.

(6) سنن الترمذي 2\51: كتاب العلم.

(7) الفتح الكبير 2\231. جلال الدين السيوطي.

(8) الأسس النفسيَّة للنمو من الطفولة إلى المراهقة ص 251. الدكتور فؤاد البهي السيد، دار الفكر العربي القاهرة 1968م. مصطفى الباب الحلبي. القاهرة 1959م.

(9) الأشباه والنظائر للإمام السيوطي ص223\ فتح الباري بشرح البخاري 6\205 كتاب الشهادات

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين