أذيع من دمشق صباح الثلاثاء 21 من شوال سنة 1381، جعله الله خالصاً لوجهه الكريم ومقبولاً عنده. آمين.
أيها المستمع الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
فعنوان حديثي إليك اليوم: التحذير من الأكاذيب الموسمية المضللة
وهو الحديث الثاني الذي أبين فيه هذا الموضوع، وقد نبهت في حديث سابق إلى الأسباب التي دعت أعداء الإسلام أن يسلكوا هذا السبيل للكيد للإسلام، وبيَّنتُ أيضا الغاية التي يبتغونها من ترويج تلك النشرات الموسمية الضالة، وذكرت في طليعتها النشرة المسماة "السلسلة الربانية" والمبدوءة بأسماء الله تعالى والمختومة بهذا النص:
وبعد، فهذه سلسلة ربانية أتت بالخيرات على كاتبها ونرجو تداولها بين المؤمنين، فيجب عليك أيها الأخُ الكريم كتابةُ عشر نسخ منها بدون توقيع، وإرسالها إلى عشرة أشخاص من معارفك وأصدقائك وإخوانك المسلمين، وفي نهاية الثلاثين يوماً بمشيئة الله تأتيك الخيرات من كل جانب، واحذر الإهمال فتسبب لك المتاعب والعقبات، فقد كتبها أحد الموظفين فنال درجة عظيمة، وأهملها آخر فحلت به العقوبات، وكتبها أحد التجار فربحت تجارته ربحاً عظيماً، وأهملها آخر فشُهِر إفلاسه، وقام بها أحد العمال اليومية وأرسلها بأمانة فنال ترقية سريعة إلى درجة عليا، فنصيحتي إليك أيها الأخ الكريم المؤمن عدم إهمال هذه السلسلة الربانية المباركة لتعمك البركات والخيرات، بفضل الله سبحانه وبأسمائه وببركة أوليائه الصالحين الطاهرين.
وذكرتُ أنَّ هذه النشرة المضللة الكاذبة قد هددت من يهمل كتابتها بالمتاعب والعقبات والعقوبات إذا كان من الموظفين، وهددته بالإفلاس إذا كان من التجار، ورغَّبَت ووعدت من يكتبها من الموظفين بنيل درجة عظيمة من المراتب، ومن يكتبها من التجار بأن تربح تجارته ربحاً عظيماً، ومن يكتبها من العمال اليومية وعدته بالترقية السريعة العاجلة.
وقد بينتُ أن ربط هذا الترهيب والترغيب بكتابتها له مِساس بالعقيدة والشرع الحنيف، وكل ما له مساس بالعقيدة والشرع لا يجوز قبوله في الإسلام إلا إذا صح نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه النشرة المسماة بالسلسلة الربانية مكذوبة على الله ورسوله في ثوابها وعقابها، فلا يجوز لإنسان أن يكتبها أو يطبعها أو يساعد في نشرها أو يعتقد بمضمونها، فإنه يكون آثماً معاقباً من الله تعالى لأنه اعتقد باطلا أو ناصر كذباً وزوراً، بل الواجب على من وقعت في يده أن يمزقها تمزيقاً ويحرقها بالنار، ويعلم أنها باطل وضلال مبين ما يراد من نشرها إلا تحويل الأمة عن الإيمان النقي إلى التعلق بالخرافات والأضاليل.
واليوم أُنَبِّهُ إلى نشرة موسمية ثانية ضالة مضلة عنوانها: وصية الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي، وقد جمعت هذه النشرة من صنوف الأكاذيب ما لم تجمعه نشرة السلسة الربانية إذ تضمنت كذباً فاحشاً من أقبح الكذب وأسوئه على لسان الله تعالى ولسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يمكن أن يقبله عقل عاقل من الناس، وكنت أود أن أذكرها بتمامها لولا أني رأيت فيها طولاً وعامية مبتذلة تُنَزَّهُ الأسماعُ عنها، فرأيت أن أقتصر على ذكر آخرها، وفيه من الكذب على الله ورسوله ما لا يطاق، وهذا نصه:
فأخبرهم يا شيخ أحمد بهذه الوصية بأنها منقولة بقلم القدرة من اللوح المحفوظ، ومن يكتبها ويرسلها من بلد إلى بلد ومن محل إلى محل بنى الله له مقراً في الجنة، ومن لم يكتبها ويرسلها حَرُمَتْ عليه شفاعتي يوم القيامة، ومن كتبها وكان فقيراً أغناه الله، أو مديوناً قضى الله دينه، أو عليه ذنب غفره الله له ولوالديه ببركة هذه الوصية، ومن لم يكتبها من عباد الله اسوَدَّ وجهه في الدنيا وفي الآخرة، ومن صَدَّق بها ينجو من عذاب النار، ومن كذب بها كفر.
هذا طرف من تلك النشرة الموسمية المضللة، وهي نشرة قديمة الظهور تظهر من نحو ثلاثين سنة أو أكثر منسوبة لشخص وهمي بهذا اللفظ السخيف، وقد راجت على بعض سخفاء العقول والمغفلين فجعلوا يطبعونها ويذيعونها بين الناس، وبيديَ الآن عدد كبير منها مطبوع، ومما لا ريب فيه أن هذه النشرة لا تصدر إلا عن عدو للإسلام والدين، وقد كنت قرأت أن بعض الحكومات الإسلامية عُنِيَتْ بالبحث عن مصدر هذه الوصية المزعومة، فَعَلِمَتْ فيما بعد أنها تصدر من بعض الجهات الأجنبية، ولا غرابة في هذا فقد تفننت منظمات الاستعمار كل التفنن في إفساد عقائد الأمة وتعطيل تفكيرها وشل قواها العَمَلِيِّة والإبداعية، وبهذه المناسبة ننصح كل شاب مثقف مسلم أو مسيحي أن يقرأ كتاب التبشير والاستعمار ليرى أساليب الاستعمار العديدة المتنوعة في محاربة بلادنا وعقائدنا ومدارسنا وتقويض دعائم مقوماتنا وكياننا.
وهناك نشرات مضللة دائمة الصدور، ليست موسمية فحسب، وهي مطبوعة ويجدد طبعها كل حين، وتباع وتشترى من المكاتب الكثيرة في كل بلد، ولها الضرر البالغ في توجيه الأمة وتكوين عقليتها وعقيدتها، وإنْ كان من أوجب الواجب على المسؤولين مصادرتها ومنع تداولها من أيدي الناس، نكتفي بذكر أسمائها والإلماع لما فيها ليتقيها كل فرد فلا يقع في حبالها ويغرر بمغرياتها.
فمن تلك النشرات الدائمة المضللة: نشرة تسمى المجموعة المباركة، حُشِيتْ بالأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله حشوا، كما حشيت تلك الأحاديث بألوان من الإغراء الكاذب بحيث تُوهِمُ من وقع في حِبالتها وصَدَّق بها أنه إذا تلاها غُفِرَتْ له جميعُ ذنوبه وإن ارتكب أكبر الخطايا والموبقات، وأُعطيَ من الأجر الكريم في الجنة ما يعجز عن وصفه الواصفون، وكل ذلك كذب على رسول صلى الله عليه وسلم، وفي المجموعة المباركة دعاء يسمى دعاء عبد الله بن السلطان، وقد جاء في أول الدعاء أن عبد الله بن السلطان، كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أشقى الناس ارتكاباً للذنوب والمحرمات، وأنه ما صلى في عمره ركعة واحدة ولا صام يوماً واحداً، ولكنه كان يدعو بذلك الدعاء، فلما مات نزلت عليه الملائكة تشيِّعه، ونزل جبريل يأمر النبي بتشييعه، وأن النبي خرج في جنازته وجعل يمشي على أطراف قدميه لضيق الأرض بازدحام الملائكة المشيعين له... إلى آخر تلك الأكاذيب الباهتة المكشوفة التي يدرك كل من لديه بقية من عقل، أنها قصة باطلة ودعاء مصنوع للتضليل والتحذير والإفساد.
وقد خُتِمَ ذلك الدعاء بهذه الجملة المضلِّـلَة: "من قرأ هذا الاستغفار لا يقربه حية ولا عقرب ولا سَبُعٌ ولا شيء يؤذيه، ويسلم من موت الفجأة، ويسلم من الظالمين والماكرين والحاسدين وشرِّ السحرة والفجرة والفسقة، وينظر الله إليه بعين الرحمة، ويسلم من الجن والمردة والشياطين وجميع المؤذيات، ومن شكَّ فيه فقد كفر."
وأنا أقول: من اعتقد فيه فقد كفر، ومن مزقه وكذَّبه فقد برهن على نصاعة إيمانه وسلامة عقله. وهكذا حُشِيَت تلك النشرة المسماة بالمجموعة المباركة من أولها إلى أخرها بالأكاذيب والأحاديث الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهناك نشرة ثانية مضللة ليست موسمية أيضاً، وإنما تطبع وتباع دائماً في المكاتب، وهي ذات حجم صغير جداً بحجم ثلاثة أصابع عنوانها: الحصن الحصين.
وقد تضمنت في أولها بيانَ فوائدِ من تلاها واعتقدَ بها، ثم أورد مخترعها طائفة من سور القرآن الكريم وآياته، وربط بين تلاوة تلك السور والآيات وبين تلك الفوائد التي اخترعها وكَذَبَها، وهذا نص ما افتراه لها من ثواب وفوائد، قال كاتبها:
وهو حِرْزٌ نافع لكل شيء وخصوصاً من الأمراض التي تحصل لبني آدم وبنات حواء، ونافع للدخول على الملوك وأرباب الأقلام والمحبة والقبول، ما حمله مُعْسِرٌ إلا يسَّرَ الله رزقه، ولا خائف إلا أمِنْ، ولا مريض إلا شفي، ولا مديون إلا قضى الله دينه، ولا مسجون إلا فُكَّ من سجنه، يزيل الهم والغم والكرب، وهو نافع لبكاء الأطفال... إلى آخر الأكاذيب والأضاليل.
وهناك نشرة ثالثة مُضلِّلة تسمى حِرْزَ الجَوْشَن تضمنت دعاءً زعم كاذبه أنه دعاء عَلَّمَهُ الرسول صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي رضي الله عنه، وكل ذلك كذب وزور لا أصل له، وقد خُتِمَ هذا الدعاء المكذوب بقول كاذبه ومخترعه: "إنه ينفع للمحبة والقبول، ولعقد الألسنة، ولمقابلة الحكام والأمراء والسلاطين وأرباب الأقلام، ولمقابلة الأعداء، ولمشي الليل والنهار، وضرب السيف والرمح والنشاب، والعين والنظرة وإبطال السحر، ولحل المربوط ولفك المأسور ولخلاص المسجون، وللحيَّة والعقرب، وتيسير وضع الحامل، ولطلعة العروس ومنع الرصاص." إلى غير ذلك من أنواع التضليل.
وهناك نشرة رابعة خبيثة كاذبة تسمى: السبع عهود السليمانية، قال كاذبها وقد ملأها بالافتراء على الله ورسوله: "هذا حِجابٌ عظيم الشأن، جليل القدر والبرهان، يحتوي على السبع عهود السليمانية، أمان من كل بلية خصوصاً القرينة وزواج البنت البائر وتسهيل الولادة، ونافع لكل شيء من الأمراض." وهو مطبوع على ورقة كبيرة يباع بأيدي الناس ويتغرر به البسطاء وضعفاء العقول من الرجال والنساء.
فيا أيها الناس، أيقظوا عقولكم وافتحوا أبصاركم لما يُلقى إليكم من مثل هذه النشرات المضللة، واعلموا أن هنالك أعداء للإسلام بصورة خاصة، وللدين بصورة عامة ينشرون هذه الأضاليل تحت إطار الدين أو الإسلام، وما يريدون بذلك إلا محاربة الأمة في عقيدتها وتفكيرها عن طريق نشر الخرافات والأكاذيب، فتنبهوا لذلك وقانا الله وإياكم كل سوء.
وأنتم يا أصحاب المكتبات والمطابع، اتقوا الله في الأمة وعقولها وتفكيرها، ولا تؤازروا الأعداء والمضلِّلين بطبع تلك النشرات وبيعها طمعاً في دريهمات تأخذونها، فإنْ فعلتم ذلك فقد ارتكبتم إثما مبيناً ومقتاً عظيماً، وأنتم بطبع تلك النشرات أو بيعها تحاربون الله ورسوله، وتخونون الأمانة على عقول الناس وأفكارهم، والربحُ الذي تنالونه من هذا الطريق ربحٌ حرامٌ ومال سُحْت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجسد المربَّى من السُّحْت - أي المال الحرام - النارُ أولى به. والسلام على من اتبع الهدى.
من كتاب:" أيها المستمع الكريم" إعداد ومراجعة: محمد زاهد أبو غدة
الحلقة السابقة هـــنا
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول