أذيع من حلب صباح السبت 4 من شوال سنة 1381، جعله الله خالصاً لوجهه الكريم ومقبولاً لديه، آمين.
أيها المستمع الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.
فعنوان حديثي اليوم: التحذير من الأكاذيب الموسمية المضلّلة
إنَّ الإسلام الحنيف دين الله في الأرض وشريعته لعباده جميعاً، ودستورُ هذا الدين هو القرآن الكريم كلام الله تعالى، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلْفِه، تنـزيلٌ من حكيم حميد، وشرحُ هذا الدستور هو السنة النبوية المطهرة: أقوالُ الرسول وأفعاله وإقراره لما شهده من أصحابه يفعلونه وسكت عنه، وقد حفظ الله تعالى هذين الأصلين: الكتاب والسنة حفظاً تاماً كاملاً، أما القرآن الكريم فقد تكفل الله بحفظه وسجل ذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون﴾.
وأما السنة المطهرة فقد أقام الله لخدمتها رجالاً أيقظوا ليلهم وأظمأوا نهارهم، وأفنوا أعمارهم وحياتهم في ضبطها وحفظها وتعلمها وتعليمها ونقلها إلى الناس، واستوفوا خدمة الحديث الشريف أفضل استيفاء، على طريقة حاذقة مبتكرة تنفي الزيف وتثبت الحق والصدق، لم يعهدِ الناس لها في غير الإسلام مثيلاً، فما قبلوا حديثاً إلا بالسند الصحيح والنقل الثابت عن الصحابة ومن بعدهم من الرواة الأثبات والنقلة الموثوقين، وما اكتفوا بهذا حتى دونوا الكتب الطوال في تراجم الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم من رواة الآثار وحَمَلَة الأخبار، فبينوا ثقاتهم من ضعفائهم، وضبطوا أنسابَهم وبلدانهم وتواريخَ ولادتِهم ووَفَيَاتِهم وشيوخِهم وتلامذتِهم، ومن أخذ عنهم في شبابهم، ومن أخذ عنهم في شيخوختهم، والبلدانَ التي طافوها، والأحاديثَ التي نقلوها، وخصَّوا الوَضَّاعين والكذابين والضعفاء والمتروكين بتراجم وكتب خاصة بهم تَكشِفُ حالهم وتبدي كذبهم ودسائسهم، صنعوا كلَّ ذلك وأكثرَ منه مع الدقة والمنهجية والإتقان حتى عُبِّرَ عن ذلك الاستيعابِ الكامل والإتقان البارع والدقة المدهشة والجمع الوافي لعلم الحديث الشريف بأنه: عِلْمٌ نَضَجَ واحترق. أي استُوفِيتُ خدمتُه من جميع الوجوه وما فات العلماء منها شيء، وحُفِظَ أتمَّ الحفظ وأمتنه.
ولكن أعداء الإسلام مافتئوا يسعون جاهدين في محاربة الإسلام والهجوم عليه بكل وسيلة ومن كل سبيل، من صدر الإسلام إلى يومنا هذا، ولا يتسع الوقت لنا أن نذكر كل الألوان التي حورِب بها الإسلام من أعدائه، فلذا سنجتزئ بذكر لون واحد من تلك الألوان المحارِبة للإسلام.
إن أعداء الإسلام في الشرق والغرب قد نظَّموا حربهم على الإسلام تنظيماً دقيقاً شاملاً، بحيث يستغنون عن تحريك الأساطيل وبعث الجيوش وتدمير المدن وإزهاق الأرواح علناً وجهاراً، فحَوَّلوا حربهم إلى حرب صامتة رادعة، هي أرخصُ عليهم مالاً وأغنمُ لهم مآلا، وتلك الحرب هي غزوُ العقول والأفكار، وقتل النفوس والأخلاق، وإماتةُ الشرف والمروءة من طريق المغريات وإثارةِ الغرائز والشهوات، وإخراجِ الرجل عن ميدان رجولته والمرأة عن مملكة بيتها وسماتها وخصائصها، بواسطة الأفلام السينمائية، والمجلات الخَلاعية، والصحافة الموجهة، والإذاعة المنحرفة، والأخلاق المنحلة، والتشكيك في القيم الروحية والعقيدة المؤمنة بالله.
واستطاع أولئك الأعداء أن يفتنوا كثيراً من شبابنا ونسائنا بهذه الحِبالات التي نسجوها والمصايد التي نصبوها، ولكن فريقاً كبيراً من الناس لا يزالون معتصمين بخُلُقِهِم ودينهم وإيمانهم بالله تعالى، لم تُغْرِهِم تلك المغريات، ولا تمكنت من إغوائهم تلك الأساليب الماجنة الخاتلة القاتلة، فلجأ الأعداء إلى التسلط عليهم وتسميم أفكارهم وعقولهم بطرق أخرى تتلاقى في ظاهر الأمر مع سمة أولئك المؤمنين المتدينين، وذلك عن طريق نشرات دينية مضلِّلة، تلبس ثوب الدين لهدم الدين، وتأخذ صورة من الاعتقاد بالله لإفساد نقاء الاعتقاد بالله، وتتسم في الظاهر بصلتها بالرسول لمحاربة الرسول صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا بهذه الوسائل المضلِّلة، المتلبِّسة بالدين ظاهراً، أن يستولوا على عقول كثير من البسطاء والمغفلين والجاهلين.
وهذه النشرات المضلِّلة باسم الدين هي التي سميتها في عنوان حديثي بالأكاذيب الموسمية، ويأتي في طليعتها النشرة الموسمية المسمَّاة بالسلسلة الربانية، وهي تشاع وتنشر كلّ عام في مثل هذه الأيام أو بعدها، وقد بُدئت هذه النشرة في أولها بأسماء الله تعالى، يتلوها نحو أربعة أسطر من الدعاء، ويأتي بعد ذلك هذا النص التالي بالحرف:
وبعد، فهذه سلسلة ربانية أتت بالخيرات على كاتبها، ونرجو تداولها بين المؤمنين، فيجب عليك أيها الأخ الكريم كتابةُ عشر نسخ منها بدون توقيع، وإرسالُها إلى عشرة أشخاص من معارفك وأصدقائك وإخوانك المسلمين، وفي نهاية الثلاثين يوماً بمشيئة الله تأتيك الخيراتُ من كل جانب، واحذر الإهمال فتسبب لك المتاعب والعقبات، فقد كتبها أحد الموظفين فنال درجة عظيمة، وأهملها آخر فحلَّت به العقوبات، وكتبها أحد التجار فربحت تجارته ربحاً عظيماً، وأهملها آخر فشُهِرَ إفلاسه، وقام بها أحد العمال اليومية وأرسلها بأمانة فنال ترقية سريعة إلى درجة عليا، فنصيحتي إليك أيها الأخ الكريمُ المؤمنُ عَدَمَ إهمال هذه السلسلة الربانية المباركة، لتعمك البركات والخيرات، بفضل الله سبحانه وبأسمائه، وببركة أوليائه الصالحين الطاهرين. هذا نص تلك النشرة الضالة المضللة.
وقد طرأ عليها تعديل من حيث عدد نُسَخِها، فقد كان نصها من أكثر من عشر سنوات: "فيجب عليك أيها الأخ الكريم كتابةُ ثلاثين نسخة منها بدون توقيع، وإرسالها إلى ثلاثين شخصاً من معارفك وأصدقائك، وفي نهاية الثلاثين يوماً بمشيئة الله تأتيك الخيرات من كل جانب"، إلى آخر الأكاذيب المدوَّنة فيها، وكأنَّ مُصَدِّرَها شَعَرَ أن في كتابة ثلاثين نسخة منها إثقالاً على أولئك المغفلين الجاهلين وسبباً لإهمالها بالمرة، فتنازل بعد ذلك إلى كتابتها عشر نسخ، وقد يخفى الكذبُ فيها على بعض الناس فلأُبيِّنْهُ حتى لا يغترَّ بها مغتر بعد الآن.
هذه النشرة المُضلِّلة الكاذبة على الله والدين قد هددت من يهمل كتابتها بالمتاعب والعقبات والعقوبات إذا كان من الموظفين، وهددته بالإفلاس إذا كان من التجار، ورَغَّبَت ووعدت من يكتبها من الموظفين بنيل درجة عظيمة من المراتب، ومن يكتبها من التجار بأن تربح تجارته ربحاً عظيماً، ومن يكتبها من العمال اليومية بالترقية السريعة العاجلة.
ورَبْطُ هذا الترهيب والترغيب بكتابتها له مِساسٌ بالعقيدة والشرع الحنيف، وكلُّ ما له مِساس بالعقيدة والشرع لا يجوز قبوله في الإسلام إلا إذا صَحَّ نقلُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه النشرة ما كانت ولا يمكن أن تكون منقولةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً، والذي أعتقده وأَدينُ اللهَ به أنها صادرة عن أعداء الإسلام، يبتغون بإذاعتها ونشرها تضليلَ الفريق المتدين من الناس، وتحويلَهم عن الإيمان النقي بالله تعالى إلى التعلق بالخرافات والأكاذيب التي هي من هذا النوع، وقد راجت هذه النشرة الكاذبة الضالة على كثير من الناس الأغرار، فتجدها تارة مكتوبة تأتيك في البريد، وتارة تجدها مطبوعة بالمطبعة على ورق جيد صقيل نفيس، وذلك بحسْبِ عقلية من يقع في حِبالة هذه الضلالة الخبيثة، ولهذا وجب أن ننبه الناس إلى أن كل من يكتب هذه النشرة أو يطبعها أو يساعد في نشرها أو يعتقد بها يكون آثماً معاقباً من الله تعالى لأنه اعتقد باطلاً أو ناصر باطلاً، والذي يجب على كل من وقعت في يده أن يمزقها تمزيقاً ويحرقها بالنار، ويعلمَ أنها قول باطل وضلال مبين، يراد من نشره تضليل الأمة في عقلها ودينها.
فيا أيها المسلمون وأيها العقلاء المتدبرون، افتحوا عقولكم وأبصاركم لما يُلقى إليكم، واعلموا أن هنالك أعداءً للإسلام بصورة خاصة، وللدين بصورة عامة، ينشرون بين الحين والحين أضاليل تحت إطار الدين أو الإسلام، ما يريدون بذلك إلا محاربة الأمة في عقيدتها عن طريق نشر الخرافات والأكاذيب، فتنبهوا لذلك ولا تقبلوا نشرة من هذا القبيل إلا أن ترجعوا فيها لموافقة العلماء الموثوقين البصراء اتباعاً لنهيه تعالى أن نتبع ما لم نعلم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾.
وأكتفي الآن لضيق الوقت بالتحذير من هذه النشرة الموسمية الضالة إلى حديث آخر أنبه فيه - إن شاء الله - إلى نشرات موسمية ضالة أخرى يجب أن يتوقى الناس منها لسلامة عقولهم واعتقادهم ودينهم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من كتاب:" أيها المستمع الكريم" إعداد ومراجعة: محمد زاهد أبو غدة
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول