التجربة الإدلبية.. انتصارات عسكرية بحاجة لترجمة سياسية



ربما سيذكر التاريخ أن إدلب قدمت نقلة نوعية استراتيجية للثورة السورية المباركة ليس على مستوى الانتصارات التكتيكية التي أحرزتها كما هو حال معظم الفصائل الثورية والجهادية على امتداد التراب الشامي العزيز، وإنما نقلة استراتيجية من لحاظين، الأول: توحد كبرى الفصائل الثورية في المحافظة تحت لواء جيش الفتح، ثم عمليات النصر وهو ما عظم الأهداف الكبرى بعيداً عن النجاحات الفصائلية المنسوبة لفصيل أو لواء، وبالتالي حملت هذه الفصائل ممثلة بجيش الفتح هم الشام كلها وهم ثورتها، ولذا جاءت مشاركة أكثر من اثني عشر ألف مقاتل تحت غرفة عمليات واحدة لترسل رسالة قوية للعصابات الأسدية أن معركتها التي كانت مع فصيل هنا أو هناك انتهت إلى غير رجعة، وأن مسرح العمليات الذي كان يحدده النظام أو يحدده فصيل ما على امتداد بضعة كيلومترات غدا اليوم من يحدده تحالف المجاهدين وعلى امتداد عشرات الكيلومترات من الغاب إلى جسر الشغور، ومن القرميد إلى أريحا وما بعدها، وجاء تحرير جسر الشغور ليدق مسماراً رئيساً في نعش العصابات الأسدية، بعد أن نقلت صحيفة الكريستيانس ساينس مونيتور عن عارفين بالنظام أنه لم يعد يسيطر إلا على %25 من التراب السوري.
اللحاظ الثاني المهم وهو أن الواقع على الأرض تغير تماماً، فمحافظة إدلب تتحرر بالكامل وتحرير جسر الشغور يعني الاقتراب من العصب الحساس للنظام الطائفي باللاذقية، إضافة إلى أنها ستصلها بحماة عبر سهل الغاب سلة سوريا الغذائية، وعمليات اليوم تختلف عن عمليات العام الماضي التي أجبرت الكتائب على الانسحاب من كسب ورأس البسيط يومها، كون مناطق المجاهدين الخلفية اليوم محررة وبالتالي التحرك سيكون سهلاً والأمر الثاني توحد الفصائل كلها في جيش الفتح ثم عمليات النصر، وجاءت الأنباء تحمل البشائر من الاقتتال وسط العصابات في اللاذقية أو على مستوى الجنرال رستم غزالي مدير فرع الأمن السياسي، وما تسرب عن طلب النظام من البعثات الدبلوماسية الأجنبية بدمشق فتح فروع لها في اللاذقية، كلها تؤشر إلى أن العصابة تلفظ أنفاسها الأخيرة ولعل مسارعة الأمم المتحدة تحديد لقاء جنيف بمايو ومسارعة بعض الرموز المحسوبة على المعارضة والممثلة للعلويين بالتباكي على سقوط جسر الشغور واقتراب الثوار من الساحل مؤشر آخر على تضعضع النظام.
المؤامرة رهيبة على الثورة السورية، وقلت وأقول حتى الآن لم يعثروا على عميل يثقون به، وقد تخلوا عن من ظن أنه يخدمهم عند أول مواجهة له، وهو دليل على أن الشام لا تزال عصية على اختراقاتهم، وما على الثوار إلا أن يتوقفوا عن التشكيك ببعضهم، فالتشكيك هو أخطر مؤامرة تتعرض لها الثورة الشامية، وحينها لن يثق أحد بأحد، مما يعني بالضرورة أن لا فصيل قادر على حكم الشام لوحده، فإن عجز الأعداء مجتمعين من عصابات أسد وطائفيين عراقيين وأفغان ولبنانيين ودول مثل إيران وروسيا والصين وغيرهم أن يثبتوا حكم الطاغية، فهل يستطيع فصيل بمفرده ذلك!!
الأمر الثاني المهم لا بد من جسم عسكري واحد يتطور من جيش الفتح إلى جسم يشكل اندماجاً كاملا لجميع الفصائل، يهدف لسحق العدو الصائل عسكرياً وبأسرع ما يمكن وكلما طال الوقت كلما منح أعداء الثورة بالداخل والخارج فرصة أكبر لترتيب أوراقهم وفرض الحلول الاستسلامية.
الأمر الثالث لا بد من تقديم جسم سياسي فعال ومؤثر يعكس حضور القوى العسكرية على الأرض، والحراك الثوري الفاعل، بالإضافة إلى علماء الثورة ومشايخها، كل ذلك لا بد أن يعكس طموحات الشعب المنتفض ضد النظام بحيث تعود روح الثورة، فكلما تم تحصين الثورة بأحزمة أمان كان أمر خطفها وضياعها أصعب، وهنا تأتي أهمية التأكيد على شرعية الثورة وليس شرعية الانتخابات والدخول في لعبة ما قبل الثورة، فكل شرعية غير ثورية تعيدنا إلى أجهزة الدولة العميقة المعادية للثورة ولكل تغيير حقيقي، وهو ما يدخلنا في دوامة اليمن ومصر وليبيا ونحوها، ولعل المخرج بتفعيل المجالس الثورية لتكون هي المؤتمنة على الثورة وحمايتها، وهذه المجالس لا بد أن تضم الرموز التاريخية والشعبية على كل مستوى القطر ليتطور إلى مجلس ثوري عام تناط به مسؤوليات حماية الثورة، كما يحصل بكل ثورات الأرض. أخيراً أتمنى أن يظل رموز العمل الثوري والجهادي بعيدين عن المرحلة الانتقالية، فرمزيتهم عظيمة على مستوى الأمة وليس على مستوى سوريا فقط، وبالتالي يكونون بمثابة مجلس مراقبة وجاهية للثورة، فقد رأينا دولاً مثل إيران والصين وحتى روسيا وغيرها شرعيتهم لا تزال مستندة لثوراتهم. ولنتذكر كيف أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه احتفظ بكبار الصحابة لديه في المدينة ولم يولهم أموراً خارجها أولاً لتحاشي انخراطهم بالأمور الإدارية اليومية مما قد يؤثر على رمزيتهم وصورتهم لدى العامة كونهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثانياً لاستشارتهم في المدينة، بالإضافة إلى تعليمهم العلم لغيرهم، والثالث أن يظلوا بمثابة مستشارين كي لا تفقد البوصلة اتجاهها.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين