التأييد والحياد .. قصور عقلي أم قناعة ذاتية

 

ربما تكون ظاهرة التأييد الفكري لنظام الأسد مغيبة اجتماعياً، نتيجة حساسية الموضوع، ولأنَّ تناوله يحتاج جرأة وإلماماً بجوانب الموضوع المطروح.

ستُ سنوات من الكفاح والنضال قدم خلالها الشعب السوري قوافلَ من الشهداء لتحقيق هدفه وإسقاط النظام الديكتاتوري، ورغم ذلك لاتزال شريحة المؤيدين لنظام الأسد مرتفعة في مجتمعاتنا (مجتمعات الثورة).

فلمَ لم نستطع كمعارضين تغيير تلك النظرة في عقول هؤلاء الذين يؤمنون بنصر النظام كإيماننا نحن بهزيمته؟

جوهر الأسباب يبدأ بالحديث عن الهيمنة الإعلامية لوسائل النظام التي تنقل الأخبار الكاذبة وتزرع المصطلحات الخاطئة في عقول المشاهدين الذين ربما يكونون ممن يتقنون الترديد الببغاوي أو التلقين الغبي بعيداً عن إعمال البصيرة.

على مدى سنوات الثورة مارس الإعلام الموالي لنظام الأسد دوراً مهما في تشكيل حاضنة اجتماعية وبيئة خصبة لاحتضان النظام السوري من خلال إظهار النظام بأنه الملاذ الأخير، وأنَّ قيام الثورة هو من سبَّبَ هذا الدمار في سوريا وليست السياسة القمعية لنظام الأسد.

وعند إدراكك الأسباب- هداك الله- لن تستغرب بعدها إن رأيت موظفاً يعرض حياته للخطر بهدف الحصول على مرتبه الشهري الذي يعتبر أقل من أي موظف لدى المؤسسات الثورية في المناطق المحررة، وهنا لابدَّ من التنقيب عن الأسباب التي يبرز منها سبب رئيسي هو أنَّ الموظف الذي مارس عليه النظام سياسته البعثية فكانت شرطاً أساسياً لتوظيفه في مؤسسات الدولة سابقاً لا يريد أن يعيد ذات التجربة، وربما من ذات الأشخاص، خاصة أنَّ الثورية والعمل الثوري شرط أساسي يعلو أي كفاءة أخرى في المجالات كافة داخل المناطق المحررة، وهذا ما يعده الكثيرون خطأً فادحاً يعيد إنتاج نظام الفساد ذاته مع استبدال كلمة بعثي بثوري!

وبالحديث عن الفساد لا يمكننا إنكار حقيقة انتشار المحسوبيات والرشاوي في حيز كبير من أنظمتنا الثورية التعليمية والسياسية الأمر الذي يشكل عامل خوفٍ يجعل الشخص يفضل البقاء تحت شرعية النظام على الانضواء تحت أنظمة أخرى يعتبرها فاسدة تعليمياً وقضائياً انطلاقاً من أنَّ الفساد هو العهد الأخير الذي ينذر بانهيار حكم الدولة متناسياً جمع أنواع الفساد المنتشرة داخل مؤسسات النظام وعلى رأسها الحكومية والاستخباراتية.

يتولد الفساد في مؤسساتنا من غياب التنسيق، فالحقيقة المرَّة أنَّ التنسيق المنظم غائب بشكل كبير بين مؤسسات الثورة، فعلى سبيل المثال لا يوجد أي رابط بين المؤسسات الثورية في  مدينة حلب ونظيرتها في مدينة إدلب، وهذا ما يغرس في عقل السامع الفكرة الآتية: ( كيف ندير دولة ونحن مختلفون على مدينتين) فالتعليم في إدلب مستقل عن تعليم حلب، وجامعة إدلب لا ترتبط بجامعة حلب، وحتى مؤسسات إدلب كلها لا تعد تابعة للحكومة السورية المؤقتة لعدم عملها بالقرارات الصادرة عن الحكومة وهذا ما دفع الكثيرين من الآباء إلى إرسال أبنائهم لجامعات النظام يقيناً بأنَّها الأفضل، وبدل أن يتم احتواؤهم في كنف الثورة اكتفى المجتمع بإطلاق عليهم مصطلح “التشبيح”.

تشرذم واضح ومشاكل كثيرة تمر بها الثورة تدفع بعدد كبير من الناس لاتخاذ موقف المحايد أو المؤيد، وربما يدفعه هذا الواقع إلى تأييد النظام استخباراتياً قولاً وفعلاً بعد ما رآه من الخلافات العسكرية بين الفصائل المسلحة، أو ربما يعود السبب إلى أنَّ هذه الفصائل تحكم جميع المحاكم والجهات الحكومية في المناطق المحررة عسكرياً، وهذا ما يؤدي إلى تمييع جميع السلطات أمام سلطة العسكرة والسلاح.

الحل من وجهة نظر اجتماعية هي أن تثبِّت الثورة ذاتها، تلك الثورة الجماعية لا الفردية التي يعلو بها صوت الأنا أصوات الجميع،فالتنسيق والتنظيم وإيجاد الحلول ونيل الحقوق سيمكن الثورة من إثبات شخصيتها في عقول البسطاء ممن ظنوا النظام هو الصائب ونحن المخطئون، وهذا ما قد يساهم في ترسيخ الفكر الثوري وتخليده وارتفاع قوة الثورة عسكرياً وتعليمياً وسياسياً وحتى إعلامياً، وسنقضي بذلك على ما زرعه النظام على مدى أربعة عقود في عقول الكثيرين منا.

المصدر : موقع رؤية

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين