التأهيل التربوي للرجل والمرأة قبل الزواج

هل تسمح الدولة بتسليم قنبلةٍ حيّةٍ لمن لا خبرة له بالسلاح؟ أو بتسليم مريضٍ لمن لا خبرة له بالطبّ؟ أو بتسليم قيادة طائرةٍ لمن لا خبرة له بالطيران؟

الرجل السيّء سيّء. وربّما لا تشكّل هذه الطبقة من السيّئين أكثر من واحدٍ إلى عشرةٍ، أو لنَقُلْ عشرين بالمائة من الرجال، وهي نقيصةٌ لا ينجو منها شرقٌ ولا غرب، ولكنّها نسبةٌ كافيةٌ لتشويه سمعة الرجال عامّةً، وكافيةٌ لتنعكس سلباً على أولئك الذين ما زالوا متردّدين في الإقدام على الزواج، رجالاً أو نساءً: هل يمكن أن أقع بين يدي زوجٍ من هذا النوع؟ أو، ربّما أيضاً: هل يمكن أن أُبتلَى بزوجةٍ بمثل هذا السوء؟ هل ستؤول كلُّ أفراحنا: ذكريات خِطبتنا، تبادُلنا للكلمات والأحاديث الرقيقة الدافئة، هدايانا، احتفالاتنا، عرسنا، شهر عسلِنا، تهنئات الأصدقاء والأحبّاء لنا، إلى مثل هذه النهاية التعيسة؟

لا شكّ أنّ هناك رجالاً يستحقّون، بجهلهم، وبسوء أخلاقهم، وفظاظتهم، وخشونتهم، وظلمهم لامرأتهم، مهما ارتفعت درجتهم العلميّة، أن ينالوا أشدّ العقاب، ليس لِما أحدثوه من شرخٍ ودمارٍ في بناء أسرتهم فحسب، بل لما سبّبوه من أذىً وهشاشةٍ في جدار الثقة بالمؤسّسة الزوجيّة عامّةً بين أفراد مجتمعاتهم.

والواقع أنّ كِلا الرجل والمرأة، في سوء تعامل أحدهما مع الآخر، شريكان، غالباً وليس دائماً، في الجناية على هذا الجدار من الثقة وهدمِه، في جدليّةٍ متبادلةٍ بينهما لا تتوقّف عن التنامي والتضخّم، وتؤدّي إلى نفور كلّ طرفٍ من الآخر، فتجعل الآخرين من حولهم هكذا متردّدين في الإقدام على خطوة الزواج.

المرأة، في معظم المجتمعات الآن، لم تعد تقتنع بسهولةٍ بما يظهره الرجل أمامها من نوايا وهو يتقدّم إليها ليخطبها. إنّ قصص الأزواج الخدّاعين من حولها، وتخلّيهم عن مبادئ السماء في طرفة عينٍ عندما تأتي اللحظة المناسبة، وعُقَدَهم، وكذبَهم، وخياناتهم، وظلمهم، وتعاملهم مع المرأة كخادمة، أو ربّما كجارية، بل ربّما سجينة، وليس كشريكةٍ حقيقيّةٍ في مؤسّسة الأسرة، ورفيقة حياة، وسيّدة بيت، وأمٍّ، ومدرسةٍ لتخريج أبنائهم وبناتهم، وإعدادِهم لخوض معركة الحياة التي تزداد شراسةً وتعقيداً جيلاً بعد جيل، هذه القصص الكثيرة التي تتكرّر على مرأىً ومسمعٍ من المرأة كلّ يوم، لا تدع مساحةً كبيرةً للثقة بأيّ رجلٍ يتقدّم إليها للزواج.

والرجل، من ناحيته أيضاً، وهو يُصدَم مِن حولِه أينما اتّجه؛ بذلك النموذج من النساء اللواتي تربّين على ثقافة دعاة النسويّة، أو تأثّرن نسبيّاً بها على الأقلّ، لم يعُد واثقاً من أنّه سيجد تلك المرأةَ الحقيقيّة، و"المخلوق" الصحيح والمناسب الذي أرادت السماء، كما هو مفترض، أن يكون مكمّلاً له، وأن يكون نصفَه "الناعم" ليحقّق من خلاله رجولته، ولينال "السُّكنى" التي يتطلّع إليها في العيش معه.

والأخطر من هذا أنّ الزواج لم يعُد يشكّل للرجل تلك الضرورة الفيزيائيّة والغريزيّة التي كانت تتحكّم بالناس من قبل. فالجنس الحرام قد أصبح، في كثيرٍ من المجتمعات، متاحاً له أينما اتّجه، ولا سيّما لدى أولئك اللواتي غرقن في بحر الحرّية النسويّة المدّعاة، وغدون يتصرّفن بأجسادهنّ بالطريقة التي ترضيهنّ، وليس بما يُرضي الفطرة الإنسانيّة، والمنطق السليم، والضمير الراشد، والله.

وفي ظلّ هذه السحابة من التعتيم المتعمّد على حقيقة المأساة التي تتعاظم في مجتمعاتنا يوماً بعد يوم؛ كان لا بدّ من مواجهة هذه الظاهرة المخيفة والبحث عن علاجٍ لها.

إنّها مخيفةٌ حقّاً، ولا يشعر بآثارها ولسعاتها القاتلة إلّا أولئك الفتيات اللواتي فاتهنّ قطار الزواج والإنجاب، ونسيَتْهنّ الحياة على أرصفة المحطّات بانتظار مجيء القطار التالي، الذي، ربّما، لن يأتي أبداً.

لقد غدا من أساسيّات حياتنا اليوم؛ نشرُ ثقافة الزواج الناجح في برامجنا الإعلاميّة، غير الملوّثة بالفيروسات القاتلة، والبعيدة عن عدوى التشويه الثقافي، وممارستُها في نشاطاتنا ومسابقاتنا التشجيعيّة الموجّهة، الحكوميّة وغير الحكوميّة، وإقرارُها في مناهجنا التدريسيّة، الابتدائيّة، والثانويّة، والجامعيّة، بحيث يشبّ الطلّاب والطالبات، ويصلان إلى سنّ الزواج وفي رؤوسهم أبسطُ الشروط الصحّية للحياة الزوجيّة، والقواعدُ الأساسيّة للتعامل الإنسانيّ والعقلانيّ الحكيم الذي يجب أن يكون بين الزوج والزوجة، بحيث يكون الزواج "سَكَناً لهما"، هذا لو كنّا نعيش حقّاً، وليس ادّعاءً، عصر العلم والتفوّق الثقافيّ والمعرفيّ الذي لم تحلم به البشريّة من قبل.

وكما تُعْقد الدورات لتدريب الجنود، والمهندسين، والمدراء، والمعلّمين، وسائقي القطارات، وسائقي الشاحنات، والطيّارين، والقباطنة، والبحّارة، وكاشفي الألغام، والمرشدين الاجتماعيّين والتربويّين.. لا بدّ أن تكون هناك إدارةٌ محلّيةٌ مختصّةٌ بتنظيم مثل هذه الدورات للمرشّحين والمرشّحات للزواج، فلا يُسمح لهم بعقد القران قبل الالتحاق بهذه الدورات، ونيل الشهادة التي تثبت صلاحيّة كلٍّ منهم، صحّياً، وعقلانيّاً، وثقافيّاً، وتربويّاً، للتعامل مع الشريك الآخر، ومع الأسرة والأولاد والمجتمع، على أن تتضمّن مناهجهم موادّ مثل: الكلمة الطيّبة ولغة الخطاب، أساليب الحوار، آداب التعامل في السنّة النبويّة وفي الشرائع السماويّة، كيفيّة استثمار الاختلافات بين الزوجين وعدم تحويلها إلى خلافات، آليّة الصبر والإيمان، إدارة الأزمات، إدارة الوقت، إدارة الإنفاق، إدارة البركة، وأهمّية الثقافة الهادفة في بناء العلاقة الزوجيّة السليمة..

ومثلما كانت الشهادة التأهيليّة شرطاً من شروط الطبيب لمزاولة مهنته، لأنّ بين يديه أرواح الناس، وهو مسؤولٌ وضامنٌ لحياة مرضاه إذا أخطأ، كما يؤكّد لنا النبيّ الكريم (ص):

-              عنْ عبدِ العزيزِ بنِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ قال: قالَ رسولُ اللهِ (ص): "أيُّما طبيبٍ تَطبَّبَ على قَومٍ لا يُعرَفُ لهُ تَطَبُّبٌ – أي لم يكنْ يَمتهنِ الطِّبّ ومؤهّلاً له – قبلَ ذلكَ، فأعْنَتَ – أي تسبّب بأذى المريضِ أو وفاتِه – فهوَ ضامِنٌ – أي مسؤولٌ عن تعويضِهِ أو دَفْعِ دِيّتِه –". [رواه أبو داود]

فهكذا سيكون كلٌّ من الزوج والزوجة ضامنَين ومسؤولَين عن أيّ خطأ محتملٍ في حياتهما الزوجيّة يمكن أن يهدّد سلامتَهما، وكذلك سلامة الأسرة وسعادتها ومستقبلها، وصحّة الأولاد البدنيّة والنفسيّة والاجتماعيّة، ومن ثمّ، صحّة المجتمع بكامله.

ألا ينبغي لكلّ مواطنٍ أو مواطنةٍ يعيشان في ظلّ دولةٍ تحترم نفسها؛ أن يحملا في جيبهما، قبل أن يحاولا الدخول في شراكةٍ لقيادة أسرة، شهادةً علميّةً تربويّةً موثّقة، لا تقلّ أهمّيةً عن حمل شهادة قيادة السيّارة أو الطائرة، ولا عن حمل البطاقة الشخصيّة، أو زمرة الدم، عنوانها: شهادة تأهيلٍ للزواج؟

وبإمكاننا اختصار هذه الخبرات والشهادات التأهيليّة كلّها في عبارةٍ قصيرةٍ واحدة: كلّما زدتُ فهماً لديني، وإيماناً به، وتطبيقاً لتعاليمه وأخلاقه على الأرض؛ زدتُ فهماً، وقرباً، ونجاحاً، وسعادةً في علاقتي مع زوجي/زوجتي، وأسرتي، وبلدي، والعالم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين