البيت الواسع

رغم أن بيتي جميل وواسع، إلا أني لا أحسّ فيه بالراحة والأمان، ولا تسكن فيه روحي ونفسي، بسبب الشجارات الدائمة بيني وبين زوجي الذي يحسب أنه أسعدني بما أحدثه في البيت من تجديدات زادته اتساعًا وأناقة وجمالًا.

حتى أمي قالت لي بعد أن تركتُ بيتي بسبب شجار مع زوجي: أتتركين البيت الواسع الجميل إلى شقتنا الضيقة القديمة؟!

فقلت لها: ألستِ من ربَّيْتِنا على ألا نهتم لمتاع الدنيا الزائل وأن المهم هو راحة البال؟!

فردّت عليَّ: نعم، ولكن زوجك وسَّعه لكِ، وجدَّده من أجلك، وكما اخترتِ!

فقلت لها: وما فائدة أن يفعل هذا من أجلي ثم يمُنُّ به عليّ كل يوم، وهو يعلم أني لا أتعلق بجدران وأثاث!

قل لي وأخبرني: ألستُ على حق في كلامي؟! وأرشِدني إلى ما أفعله، هل أبقى في بيت أهلي؟ أم أرجع إلى بيتي رغم أنني لا أشتهي ذلك بسبب المشكلات التي لا تكاد تنقطع بيني وبين زوجي؟

بلى، أنتِ على حق في كثير مما ذكرتِه، إن لم أقل إنك على حق فيه كله، ولا أخالفك في شيء فيه، إنما أخالفكِ في مغادرتكِ بيتك إلى بيت أهلك.

لقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على البيت الواسع وجعله أحد ثلاثة من السعادة: (... والدار تكون واسعة كثيرة المرافق...)، وجعل البيت الضيق أحد ثلاثة من الشقاء: (... والدار تكون ضيقة قليلة المرافق) حسّنه الألباني في صحيح الجامع.

وعليه فوالدتكِ على حقّ حين ذكّرتكِ بما وفّره لكِ زوجكِ من بيت واسع فيه ما يُريح ويُسعد ويُرضي، وهو مما تتمناه كثيرات من أزواجهن.

لكن هذا وحده لا يكفي- كما ذكرتِ- لتحقيق السكينة في القلب والنفس والروح، إذ لا بد من أن يعمّ السلام جميع أرجاء البيت، ولا يتحقق هذا السلام في ظل شجارات يومية لا تكاد تتوقف.

ولعل خير من عبّرتْ عن هذا امرأة مثلكِ هي ميسون بنت بحدل بن أنيف الكلبية زوج معاوية بن أبي سفيان، فقد نقلها زوجها معاوية من البادية وأسكنها قصرًا في دمشق، لكنها ظلت تحنّ إلى البادية حتى سمعها معاوية وهي تُنشِد:

لَبيـْتٌ تخفـق الأرواح فيـه=أحبُّ إليّ من قصـر منيـفِ

ولبسُ عبـاءةٍ وتقـرّ عينـي=أحبُّ اليّ من لبس الشفـوفِ

وأكل كسيرةٍ من كِسر بيتـي=أحب إليّ من أكـل الرغيـفِ

وأصوات الريـاح بكـل فـج=أحب إلى من نقـر الدفـوفِ

إلى آخر الأبيات الجميلة التي تُعبِّر بها عن ضيقها بالقصر الواسع الذي تعيش فيه لأنه أقل سعة من الطبيعة الرحبة التي كانت تنطلق فيها روحها، ولربما كانت تضيق أيضًا بالعَيْش مع معاوية الذي تُشير إليه وإلى عنفه في بيت تقول فيه:

وخرقٌ من بني عمي نحيف=أحب إلي من علج عنوفِ

حتى إنه ذاع أن معاوية طلقها بسبب إهانته في تلك القصيدة، وأنها أخذت ابنها يزيد ليترعرع معها في البادية.

على أيِّ حال، لا بد من عودتكِ إلى بيتكِ، وإصلاح ما بينكِ وبين زوجكِ، إذ لا يكاد بيت أن يخلو من نزاعات زوجية، يمكننا الإقلال منها بمراجعة أهل الذكر من استشاريين ومصلحين نستشيرهم ونتعلم منهم.

أدعو الله أن يصلح بينكما، ويؤلف بين قلبيكما، ويُبعد شياطين الإنس والجن عنكما.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين