البشريات العشر الثالثة للتائبين

 

21-يفيض الله عليه رضوانه وإحسانه

في صحيح مسلم : «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»[1] (يبسط يده) قال المازري المراد به قبول التوبة وإنما ورد لفظ بسط اليد لأن العرب إذا رضي أحدهم الشيء بسط يده لقبوله وإذا كرهه قبضها عنه فخوطبوا بأمر حسي يفهمونه وهو مجاز]

 

22- الحياة السعيدة والمتاع الحسن وطول العمر

"اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى "[2] هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقْبِلَ عَلَى عِبَادَةِ اللَّه وَالْمُشْتَغِلَ بِهَا يَبْقَى فِي الدُّنْيَا مُنْتَظِمَ الْحَالِ مُرَفَّهَ الْبَالِ، يُمَتِّعُهُ الله بِالْمَنَافِعِ من سَعَةِ الرِّزْقِ وَرَغَدِ الْعَيْشِ، وَلَا يَسْتَأْصِلُهُ بِالْعَذَابِ كَمَا فَعَلَ بِمَنْ أَهْلَكَ قَبْلُ. أو معني: يُمَتِّعُكُمْ يُعَمِّرُكُمْ، فأَصْلُ الْإِمْتَاعِ الْإِطَالَةُ، وَمِنْهُ أَمْتَعَ اللَّهُ بِكَ وَمَتَّعَ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: الْمَتَاعُ الْحَسَنُ تَرْكُ الْخَلْقِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْحَقِّ. وهذا الإقبال غاية المتعة : قال تعالى :"" مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"[3].وَقِيلَ: هُوَ الْقَنَاعَةُ بِالْمَوْجُودِ، وَتَرْكُ الْحُزْنِ عَلَى الْمَفْقُودِ[4]. لا يقال: قد كان أولى الناس بطول العمر المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه أسعد الناس قلت: الكلام فيمن يسعد بالأعمال ويستوجب بها مزيد الدرجات وكمال الأحوال وأما سعادة النبوة فمحض الهبة والتخصيص الأول فهم لا يصلون إلى الله بأعمالهم ولا يستحقون الدرجات التي هم فيها باجتهادهم وأحوالهم بل حظوظهم موهبية وحظوظ غيرهم كسيبة"[5]

 

23- يكفر الله سيئاته بتوبته

"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ .."[6] قَالَ عُمَرُ وَأُبَيٌّ وَمُعَاذٌ: "التَّوْبَةُ النَّصُوحُ" أَنْ يَتُوبَ ثُمَّ لَا يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ، كَمَا لَا يَعُودُ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ"[7] قَالَ الْفَرَّاءُ: نَصُوحًا مِنْ صِفَةِ التَّوْبَةِ وَالْمَعْنَى تَوْبَةً تَنْصَحُ صَاحِبَهَا بِتَرْكِ الْعَوْدِ إِلَى مَا تَابَ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّهَا الصَّادِقَةُ النَّاصِحَةُ يَنْصَحُونَ بِهَا أَنْفُسَهُمْ"

 

24- الزيادة والبركة في الرزق والقوة

"اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ "[8]

 

25- رحمة الله ومودته للتائب

"وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ"[9]

 

26- يقربه الله منه ويجيب دعاءه

"فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ "[10]

 

27-- الفلاح والفوز

"وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"[11] فمن توقَّف عن سلوك طريق الناس وركوب قطار التوبة واللحوق بركب وموكب التائبين وُسِمَ جبين حاله بميسم الخائبين.

 

28-استغفار حملة العرش له

"الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ"[12] وهذه الآية من سورة غافر ، قيدت المطلق في آية الشورى" وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"[13]" في الشورى تستغفر الملائكة لكل من في الأرض ، والأرض فيها " شارون " ونتنياهو" وأمثالهم ونظراؤهم وأشباههم وحلفاؤهم فهل يعقل أن تستغفر لهم الملائكة؟! فجاءت آية غافر فأذهبت هذا الوهم.

 

29- النجاة من الظلم

" وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"[14]  قسّم الله - جل مذكورا وعز مرادا -العباد إِلى تائبٍ، وظالم. وما قِسْم ثالث البتَّة وأَوقع الظُّلم على مَن لم يتُبْ، ولا أَظلم منه بجهله بربّه، وبحقِّه، وبعيب نفسه، وبآفات أَعماله. وفى صّحيح البخاري: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً»[15] وكان أَصحابه يَعُدّون له فى المجلس الواحد قبل أَن يقوم: (ربّ اغفر لى وتُبْ علىّ إِنَّك أَنت التَّواب الرّحيم مائة مرّة،)[16] وما صلَّى قطُّ بعد نزول سورة النَّصر إلا قال فى صلاته: سبحانك اللَّهمّ ربّنا وبحمدك، اللَّهمّ اغفر لى[17].

 

30-ينال من خيرات الله وكراماته

في الأثر : «النَّادِمُ يَنْتَظِرُ التَّوْبَةَ، وَالْمُعْجَبُ يَنْتَظِرُ الْمَقْتَ وكلُّ عاملٍ سيقدمُ على ما أسلفَ عندَ موتِه، فإنَّ مِلاكَ الأعمالِ بخواتيمِها، والليلُ والنهارُ مَطيتانِ فاركَبوهما بلاغاً إلى الآخرةِ، وإيَّاكم والتَّسويفَ بالتوبةِ والغِرَّة بِحلْم اللهِ، واعلَموا أنَّ الجنةَ والنارَ أقربُ إلى أحدِكم مِن شِراكِ نعلِهِ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*  وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}»[18].

 

31- إنعام الله عليه وقبوله وإسعاده

(ان من سَعَادَة الْمَرْء أَن يطول عمره وَيَرْزقهُ) الله (الْإِنَابَة) "[19]أَي التَّوْبَة وَالرُّجُوع إِلَيْهِ لِأَنَّهُ بذلك يكثر من الطَّاعَات ويتزود من القربات ويتنوع في ادخار الحسنات " في صحيح البخاري: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " لاَ، وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، .."[20] في جامع المسانيد والسنن لابن كثير ، قَالَ وَحْشِيٌّ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَكْرَمَهُ عَلَى يَدَيّ وَلَمْ يُهِنّي عَلَى يَدَيْهِ.[21]

 

32-التائب محسن باتباعه سنة النبي صلي الله عليه وسلم

في السلسلة الصحيحة : ((..إِذا أسَأْتَ فأحْسِنْ فإِنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ))[22] " إذا وقعت الإساءة إلى ربك ومالِكِ نفعك وضرك فتدارك الإساءة بالإحسان ف{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[23] وأتى بالفاء لتفيد التعقيب فإن تراخي الحسنة ينشأ عنه الإنس بالسيئة والخذلان، وكذلك إذا أسأت في حق العباد فأتبعها بالإحسان إليهم كما قيل:

 

إِن الْعَدَاوَة تستحيل مودّة ... - _ بتدارك الهفوات بِالْحَسَنَاتِ

 

ولابد من التعقيب وإلا تولدت الوحشة كما قيل:

 

أسأت إليَّ فاستوحشت منّي ... - _ وَلَو أَحْسَنت آنسك الجميلُ

 

والاستغفار من أبلغ صور الإحسان بعد الإساءة  في الحديث الحسن : «خَيْرُ أُمَّتِي الَّذِينَ إِذَا أَسَاءُوا اسْتَغْفَرُوا، وَإِذا أحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا ..»[24].قد جعل الله ذلك من صفات المتقين الذين أعد لهم جنات عرضها السماوات والأرض فقال في صفاتهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}[25] ،في صحيح الترغيب  "اتَّقِ الله حيثُما كنْتَ، وأَتْبعِ السيِّئَةَ الحَسنةَ تَمْحُها، "[26]. في الحديث الحسن : «إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَاعْمَلْ حَسَنَةً فَإِنَّهَا عَشْرُ أَمْثَالِهَا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ؟ قَالَ: «هِيَ أَحْسَنُ الْحَسَنَاتِ»[27]

 

[1] صحيح مسلم (4/ 2112) 49 - كتاب التَّوْبَةِ 5 - بَابُ قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ وَإِنْ تَكَرَّرَتِ الذُّنُوبُ وَالتَّوْبَةُ

[2] التوبة:3

[3] النحل: 97.

[4] تفسير القرطبي (9/ 4)

[5] فيض القدير (2/ 538)

[6] التحريم: 8

[7] قال ابن حجر في المطالب العالية: 3 / 390: أخرجه أحمد بن منيع في مسنده، وإسناده صحيح موقوف. ورواه الطبري: 28 / 167.

[8] هود: 52

[9] هود: 90

[10] هود :61

[11] النور: 31

[12] غافر: 7

[13] الشورى : (5)

[14] الحجرات :(11)

[15] صحيح البخاري (8/ 67) 80 - كِتَابُ الدَّعَوَاتِ بَابُ اسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ

[16] صححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1342).

[17] بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (2/ 305)

[18] [الزلزلة: 7،8]

[19] [حكم الألباني]  (ضعيف) انظر حديث رقم: 2006 في ضعيف الجامع

[20] صحيح البخاري (7/ 120) 75 - كِتَابُ المَرْضَى بَابُ تَمَنِّي [ص:121] المَرِيضِ المَوْتَ

[21] جامع المسانيد والسنن (8/ 421)

[22] السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير (2/ 898) 5549وعزاه إلى (الصحيحة 3559)

[23] [هود: 114]

[24] وحسنه أبو حاتم، وذكر له متابعًا وشواهد يتقوَّى الحديث بمجموعها فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار (1/ 591)

[25] [آل عمران: 135]

[26] حديث حسن صحيح الترغيب والترهيب (3/ 226)

[27] حديث حسن : تحقيق كلمة الإخلاص (ص: 55)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين