بين البخلاء والكرماء فرق واسع، وقد عبر الحديث الشريف عن ذلك أجمل تعبير! فالبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار؟! والكريم قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد من النار؟!
و لكل منهما ثمرات: فمن ثمرات الكرم تزكية النفس و حل مشكلات ذوي الحاجات: ومن ثمرات البخل و الشح هتك المحارم و سفك الدماء كما ورد في الحديث الشريف: ونحن أمام كتابين مختلفين موضوعا وزمنا، أولهما: كتاب البخلاء للجاحظ، والآخر: كتاب الكرماء لمؤلف معاصر هو أحمد أبو سيدو الذي دفعه كتاب الجاحظ لإعداد كتاب يبطل تغنيه بالبخل و مدحه له – كما يقول – و يبرز ما في تراثنا العربي و الإسلامي من قصص الكرم و الكرماء، و لاسيما أن العرب امتدحوا الكرم و أشادوا بالكرماء، و قد أقر الإسلام هذه الخصلة الحميدة و دعا إليها؟!
وهو في اتهامه (أبو سيدو) للجاحظ بالبخل، و تأثره به، و دفاعه عن البخلاء، يؤكد تهمة أكدها غيرها، كما فعل محققا كتاب الجاحظ (الجارم و العوامري) متسائلين: أكان الجاحظ بخيلا؟ و هو يسخر من البخلاء، و يرسل الضحك عاليا في كثير من أعمالهم، وينسب إليهم كل ما يحط القدر، و يسقط المروءة؟! و لكنه في غضون ذلك كان يلقنهم الحجج على حسن الاتصاف بادخار المال، و أنه الحزم بعينه؟!
و يصلان إلى أن الجاحظ كان بخيلا، لأن الولوع بالشيء يحبب إلى النفس التحدث به، و الإفاضة فيه ؛ و لأن من عرف الجاحظ، و أن من أبرع صفاته أن يستر ما يحب أحيانا بإعلان ما لا يحب، رجح أنه كان بخيلا؟! إلا أن هناك من يعتقد أن تأليفه للكتاب لا يعني إعجابه بهذا الصنف، و لكنه كما قال الأستاذ محمد كرد علي في كتابه (كنوز الأجداد) إن الجاحظ كان من أعرف المؤلفين بأمزجة القراء، و يعرف أن الجد مملول، و لابد من المرح و المداعبة لئلا يسمج، و لذلك مزجه بهذه الإفاضة لئلا يكون مما كتب شيء لا تهضمه النفوس – يرى ذلك ماثلا في كتاب (البخلاء) و في كتاب (التربيع و التدوير) الذي تجلى فيه فنه تجليه في كل موضوع خاض غماره وتجسمت فيه خفة روحه؟! و أيا كان الأمر، فإنك في كتاب الكرماء تضحك و تعجب! و في كتاب الكرماء تهتز إعجابا بصور الكرم و الكرماء في أول كتاب من نوعه في المكتبة العربية.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول