الباشغردية في حلب وسبب إسلامهم

اختارها : الشيخ مجد مكي 

 

 قال العلامة الرحالة المؤرخ ياقوت الحموي في "معجم البلدان":

 "وجدت بمدينة حلب طائفة كثيرة يقال لهم الباشغردية، شقر الشعور والوجوه جدا، يتفقهون على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، فسألت رجلا منهم استعقلتُه عن بلادهم وحالهم ؟

فقال: أما بلادنا فمن وراء القسطنطينية في مملكة أمة من الأفرنج يقال لهم: (الهنكر)[ لعلها هنغاريا اليوم]، ونحن مسلمون رعية لملكهم، في طرف بلاده نحو ثلاثين قرية كل واحدة تكاد أن تكون بليدة، إلا أن ملك الهنكر لا يمكننا أن نعمل على شيء منها سورا خوفا من أن  نعصي عليه، ونحن في وسط بلاد النصرانية، فشمالينا بلاد الصقالبة، وقبلينا بلاد البابا يعني رومية، والبابا رئيس الأفرنج هو عندهم نائب المسيح كما هو أمير المؤمنين عند المسلمين ينفذ أمره في جميع ما يتعلق بالدين في جميعهم، قال: وفي غربينا الأندلس، وفي شرقينا بلاد الروم قسطنطينية وأعمالها، قال: ولساننا لسان الأفرنج وزينا زيهم، ونخدم معهم في الجندية ونغزو معهم كل طائفة لأنهم لا يقاتلون إلا مخالفي الإسلام. 

 فسألته عن سبب إسلامهم مع كونهم في وسط بلاد الكفر؟ 

فقال: سمعتُ جماعةً من أسلافنا يتحدَّثون أنه قدم إلى بلادنا منذ دهر طويل سبعة نفر من المسلمين من بلاد بلغار، وسكنوا بيننا، وتلطَّفوا في تعريفنا ما نحن عليه من الضلال، وأرشدونا إلى الصواب من دين الإسلام فهدانا الله والحمد لله فأسلمنا جميعاً وشرح الله صدورنا للإيمان، ونحن نقدم إلى هذه البلاد ونتفقَّه، فإذا رجعنا إلى بلادنا أكرمنا أهلها وولَّونا أمور دينهم.

فسألته: لم تحلقون لحاكم كما تفعل الأفرنج؟ 

فقال: يحلقها منا المتجنِّدون ويلبسون لُبسة السلاح مثل الأفرنج، أما غيرهم فلا.

قلت: فكم مسافة ما بيننا وبين بلادكم؟، فقال: من ها هنا إلى القسطنطينية نحو شهرين ونصف، ومن القسطنطينية إلى بلادنا نحو ذلك"

فهذا أنموذج من دخول بعض الأمم بمحض الدعوة من غير سيف وقتال في قلب أوربا من عهد قديم يقرب من نحو ألف عام...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين