الانسان في ميزان الإسلام -1-

 

 

 لقد اهتم الإسلام  العظيم إهتماما كبيرا بالإنسان، والذي هو أكرم المخلوقات وأفضلها عند الله عز وجل، ومن يقرأ القرآن الكريم بتدبر وإمعان يجد ذلك واضحا تمام الوضوح. 

فأول الآيات القرآنية نزولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء وتكرر فيها ذكر الإنسان أكثر من مرة، وفي أكثر من وضع وحالة. 

فقد ذكر الإنسان خلقا  وبداية في قوله عزوجل :(إقرأ بإسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق )

وذكر الإنسان علما وهداية في قوله تعالى:  (إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم).

وذكر الإنسان جزاء ونهاية كما في قوله سبحانه :(كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه إستغنى إن إلى ربك الرجعى) ....إلى آخر السورة الكريمة 

بل إن القرآن الكريم كتاب الله الخالد ،ونوره المبين، أنزله الله عز وجل في الأساس على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، لهداية الإنسان، وإسعاده وإرشاده إلى طريق الحق والخير، طريق الله المستقيم. 

وفي القرآن الكريم كذلك سورة بأكملها ،تتحدث عن الإنسان، وسميت باسمه وهي تتناول أيضا أمر الإنسان بداية، وهداية ونهاية. 

ولقد كرم الله عزوجل هذا المخلوق -الإنسان -تكريما عظيما وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، وأعلن عن ذلك حيث قال عزوجل :(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا). 

وقال أيضا :(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم).

والآيات الكريمة واضحة الدلالة على تكريم المولى عز وجل ،وتفضليه للإنسان على كثير ممن خلق. 

وقد بين الله عزوجل للملائكة وظيفة الإنسان قبل خلقه له ،حين خاطبهم وقال لهم :(إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالاتعلمون). 

ولقد أسجد الله عزوجل الملائكة للإنسان سجود تحية وتكريم،  ونفخ فيه من روحه، والنفخ لم يكن فقط في أول الخلق آدم عليه السلام ، وإنما هو في كل إنسان، كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند الشيخين، يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم :(إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وعمله وأجله، وشقي أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره :إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى مايكون بينه وبينها إلاذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى مايكون بينه وبينها إلاذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).

كذلك سخر الله عزوجل للإنسان ما في السماوات والأرض، جميعا منه.

سخر له الجماد والنبات والحيوان، لتعمر الأرض وينتفع بخيراتها. 

ومنح الله عزوجل الإنسان الإرادة والعقل والإختيار ليفعل أو لايفعل . يفعل ماينفعه ويجتنب مايضره. 

وميز الله عزوجل الإنسان كذلك بكمال الخلقة ،وحسن الصورة و بإعتدال القامة فجعله يمشي على رجلين، وليس على أربع كمعظم الحيوانات، ولم يجعله يزحف على بطنه كالكائنات الزاحفة ،وإنما خلقه في أحسن تقويم .خلقه فسواه فعدله وجمله، وجعل له السمع والأبصار والأفئدة. 

وتفضيل الله عزوجل وتكريمه  للإنسان لم يكن محاباة أو مجاملة، وإنما هو لأداء مهمة ضخمة ووظيفة مهمة ،وذلك ليستقيم على منهاج ربه ويعبده حق عبادته.  لم يفضل الله عزوجل الإنسان على غيره لضخامة حجمه وإلا لكانت بعض المخلوقات كالفيل والجمل والخرتيت أفضل منه لكبر حجمها وضخامتها . ولم يفضله لقوة بدنه وسرعته وشراسته ،وإلا لكان الأسد والنمر أفضل لقوته وسرعته وشراسته.  ولم يفضله لحسن صورته وجمال منظره، وإلا لكانت بعض الطيور والأسماك أفضل لجمالها وحسن منظرها. ولم يفضله لطول عمره ،وإلا فإن هناك من الطيور الجارحة وغيرها  كالصقر والنسر ما يطول عمرها أكثر من الإنسان. 

مافضل الله عزوجل الإنسان على كثير ممن خلق تفضيلا 

من أجل ماسبق بيانه، وذكره وتوضيحه. وإنما فضل الله سبحانه وتعالى الإنسان ليحقق العبودية الكاملة لربه ويستقيم على منهاج مولاه.

وحباه الله عزوجل كل هذه النعم التي لا يحصيها عد ولا يحيط بها علم لينتفع بها وينفع غيره ، وليستخدمها في إسعاد الخلق والتقرب إلى الخالق المنعم سبحانه وتعالى. 

فإن إستقام الإنسان على منهاج الله، وأدى ماعليه من طاعة وعبودية لخالقه عزوجل، تحقق له التكريم والتعظيم ونال الشرف والعزة والكرامة، وفاز برضوان من الله ،وحصل على سعادة الدنيا ونعيم الآخرة.

وإن فعل العكس ولم يلتزم بمنهاج ربه، ولم يؤد مهمته التي خلق لتحقيقها فهو في درجة ومكانة أخس من الحيوانات والحشرات. كما قال سبحانه وتعالى :(والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم )وقال أيضا :(أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون )

جعلنا الله وإياكم من المؤمنين العارفين بربهم. القائمين بمهامهم. السالكين دروب السعادة في الدنيا والآخرة 

وللحديث بقية. 

 

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين