الانتصار للثورة لا يحتاج إلى إمكانات دول وإنما يحتاج إلى إرادة وعزيمة

(( وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ))

 

الحقيقة التي لا يمكن أن يجادل فيها المجادلون أن الثورة السورية انطلقت تلقائية عفوية وبإرادة شعبية وجماهيرية خالصة . حتى تستطيع القول إن الاستجابة لتحديات الإجرام التي كان يفرضها المجرمون ، لم تكن تتم في أغلب الأحوال بقرار ..

ثم إن الحقيقة التي لا يمكن أن يجادل فيها المجادلون هي أن هذه الثورة لم تنطلق بقرار ، ومن باب أولى أن قرار هذا الثورة العفوي والتلقائي لم يتخذ في غرفة عمليات ، ولا وفق حسابات وموازنات لا استراتيجية ولا سياسية ، وإنما انطلقت كما ينفجر أي بركان نتيجة الكبت والضرام . وهذا أبلغ ما نرد به على مدعي المؤامرة الكذاب العنيد

كثيرون من الذين نابذوا هذه الثورة منذ أول يوم ، لم ينابذوها شكاً منهم في أحقيتها ، وإنما كما ظلوا وما زالوا يزعمون تشكيكا منهم في توفر شروط نجاحها . يقولون : نحن لا نختلف معكم في شيء من إجرام المجرم ، وظلم الظالم ، وفساد الفاسد ؛ وإنما خلافنا معكم في أن مثل هذه الثورة ، بالمعطيات المتوفرة في أيديكم يمكن أن تنجح ، وأن تحقق أهدافها ، ومن هنا فقد قرر هؤلاء منذ البداية أن يتخذوا موقفا مشككا ومثبطا فمنهم من اعتزل بنفسه ، ومنهم من نابذ تحت لافتة هذا الفقه السقيم وتحول إلى مدافع عن المجرم ، مدين للثورة يتأول لنفسه التصدي للفتنة ، والحرص على دماء ومصالح المسلمين .

وكان الأسوأ من هؤلاء فيما رأينا ، والأكثر سقما وفسادا منهم ، قوم هاجوا مع الثورة ، وماجوا مع الثوار ، واندفعوا إلى المقدمة على مستوى النجومية السياسية والإعلامية ، جمعوا باسم الثورة الأموال فاحتجنوها ، أو فتحوا بها الدكاكين ، ورفعوا الشعارات والعناوين ، وأعلوا لأنفسهم المقامات ، ورسموا حولها الهالات ، وتزينوا بالألقاب والمقامات ثم جلسوا من بعيد يغنون للثورة ، ويدّفئون على ضرامها ، ويمجدون أسماء شهدائها ، ويدعون أنهم ورثوها أما وأبا ، وما ورثهم ذاك أمٌ ولا أب ، ولا خاضوا غمارها بساق ولا ساعد ، فما شدوا فيها مئزرا ولا كشفوا عن ساق أو قرعوا فيها ظنبوبا ..

وهؤلاء بما احتجنوا وبما احتكروا ، وبما صادروا وبما ادعوا ، وبما شرعوا وما ضرعوا ؛ كلما طولبوا بما يلزمهم ، ويجب عليهم ، من نصرة هذه الثورة ، والوقوف إلى جانب ثوارها ، والانخراط فيها على وجه القدوة والأسوة ، وبأحقية صاحب القضية التاريخية ، وأم الولد الحقيقية ، قطبوا جباههم ، وزموا شفاههم ، ورفعوا أكتافهم ثم أرخوها مستقلّين العبء ، مستقيلين من المسئولية ، وردوا عليك بمنطق يخالونه منطق جهينة ، وبحديث يحسبونه قول حذام : الأمر ليس بوسعنا ، ولا هو من طاقتنا وقدرتنا ، المعركة في سورية تحتاج إلى إمكانات دول ونحن مفلسون ، وليتهم إذ أقروا بالإفلاس لاذوا بالإبلاس كما لاذ به الأولون ...

وفي الحقيقة فإن ما ينقص هؤلاء ليس الإمكانات ، وكل من درس الثورات ، أو لابسها يعلم أن ما من ثورة في هذه العالم قامت بإمكانات توازي أو تداني إمكانات من يثور عليه الثائرون . معادلة الثوار كانت دائما معادلة : العين والمخرز ، والبيضة والجمل ، والراحلة يتعاقب عليها الثلاثة والأربعة من الرجال ..

أيها السادة المفرطون المبلسون ..

 عندما رشحتم ، إنما رشحتم لقيادة ثورة أو للانخراط فيها ولبس لأمتها ، ولم ترشحوا إلى منصة رئاسة ، ولا إلى موقع وزارة أو كرسي إدارة ، لم ترشحوا إلى منبر خطيب ، ولا إلى عيادة طبيب ، ولا إلى موقع من يتصدر ويتصور، وإنما رشحتم إلى حرش الضباب ، والنوم في الكهوف ، والتقلب على جمر الغضا ، وإثبات رجل في مستنقع الموت ، رشحتم إلى موقع حيث أخذ الراية جعفر بيمينه فقطعت ، ثم أخذها بشماله فقطعت ، ثم احتضنها بعضديه وأصيب ، ثم أخذها زيد بن حارثة فأصيب ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب .. وإن عيني رسول الله صلى الله على رسول الله لتذرفان ، تذرفان لهم وعليكم أيها المضيعون المفرطون المبلسون على أرائككم في الدنيا متكئون ...

نصرة الثورة ، والانخراط فيها ، لا تحتاج إلى إمكانات دول كما تزعمون، وإنما تحتاج إلى همم عليّة ، وإرادات حازمة ، وعزائم تحمي الحديد فتلويه . الحقَّ الحقَّ أقول لكم ولكنكم تظنون أنكم بما أنتم فيه من مغرم في مغنم تتقلبون ..

حق كل قطرة دم تسفك ، حق كل زفرة آه تزفر ، حق كل أرملة ويتيم ومضيع ومشرد ثابت في أعناقكم كما هو في عنق من سفك ومن اعتقل ومن شرّد ومن يتّم ورمّل وثكل ..

حق كل الطاقات المضيعة والمعطلة والمهملة والمقصاة والمشلولة ثابت في أعناقكم ، مناط بكم ان تعدوا عن تضييعها وتعطيلها وإهمالها وإقصائها جوابا يوم لا ينفع مال ولا بنون ...

أولئك وهؤلاء سيسألونكم غدا ، وغدا عند الله الموعد ، غدا عند الله الموعد ، غدا عند الله الموعد ؛ فأعدوا للسؤال جوابا ...

وهذه حلب منذ سبعة أيام تقصف وتباد فهل سمعتم بمحافظة في سورية اسمها ( حلب ) أم شغلتكم عن دراسة الجغرافيا دراستكم للعلوم والفنون؟!

وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين