الإيحاء القاتل للشعوب

 
 
 
 
ابتهال قدور
 
 
في ذلك المطعم قُدِّمت الأطباق المتماثلة لجميع
 الزملاء بدون أن يُستشاروا، حضر إلى ذهني مايطلق عليه علماء الاجتماع "الثقافة الجماهيرية"...
 
وتعمّدت مراقبة من حولي لأجد أن الأكثرية من الزملاء والزميلات لم يتناولوا طبقهم كاملا، والذين تناولوه فعلوا ذلك مستائين، مضطرين تحت أثر الجوع..
 
فالطَّبق لا يعبر عنهم، أعده غيرهم واختاره غيرهم، وهو بذلك أقرب إلى تمثيل هذا الغير..لكن عدم وجود بديل جعلهم يتقبلون بصمت..
 
في محاولة لتوسيع الدائرة قليلا، سنكتشف وجود من يعمل على صبّ الأذواق في قوالب متماثلة، تمهيد خفي لمصادرة إنسانيتنا، وحرماننا من عظمتنا التي رآها البعض متمثلة في "القدرة على الاختيار".
 
أولئك الذين يتعبون أنفسهم في تفصيل ملابسنا، واختيار الألحان والفنان لأبنائنا، ويبنون بخرائط متطابقة أسواقنا، ويقترحون شكل الأنف المناسب لبناتنا، يتعاملون معنا ككتلة متماثلة، وهم بذلك يوحون إلينا بأننا يجب أن نلقي بما يعبر عن تفردنا وتميزنا جانباً...وهذا مصادرة ناعمة للحرية، فالحرية بتعريف أحد المفكرين هي مقاومة التماثل...
 
ويوحون إلينا أيضا بأن نرتاح فلا نفكر، ولا نريد، ولا نختار إلاّ ضمن مايعرضونه علينا...وهذه دعوة مبطنة للركون للدعة وحب التخلف، والإبقاء علينا مستهلكين لصناعاتهم الثقافية...
 
والإنسان قد يوحى إليه من بني جنسه، ليجد نفسه منساقا بلا وعي، ولا إدراك لأبعاد ما يمليه الآخر، فيكون كياناً فارغاً، أو كتلة مجردة من الإرادة تحركه مشيئة الغير كذلك الخاضع للتنويم المغناطيسي...
 
هم فعلوا بنا هذا أو كادوا...
 
 هؤلاء الذين يفعلون هذا علينا أن لا نتجاهل وجودهم، ونغض البصر عن غاياتهم لكي نواجهها بخطط محكمة وتوعية ناضجة، وكونهم وراء الكواليس لايعني عدم الالتفات إليهم؟!
 
علينا أن نكون فطنين فهم لا يفعلون هذا حبا بالشعوب، وهم لا يتصدقون علينا بجهدهم لكي ننعم نحن في ظلال الراحة...
 
هم يريدون أن يجعلوا العالم كتلتين إحداهما منتجة لكل شيء، ممسكة بزمام كل شيء، والأخرى مستهلكة لكل شيء ممتنة لمن يقدم لها كل شيء...
 
والقضاء على هذا التكتل البغيض ينبغي أن يكون واحدا من أهداف الثورات القائمة..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين