الإنصاف عزيز والوسطية أعز

 

   مِن أَعقَدِ الإشكاليَّاتِ المَنهَجيَّةِ أن تَسمَعَ ذَمَّ التطرُّفِ من جَميعِ الاتجاهاتِ حتى من الأشَدِّ تطَرُّفًا، ولا تجِدُ عَبرَ التاريخِ مُتَطرِّفًا قطُّ يشهَدُ على نَفسِهِ به، لأنَّهُ يعتَقِدُ أنَّهُ على الحقّ وإلا لَما تشَبَّثَ به إلى حدِّ التطرُّف!!

إنَّهُ لا يَرى تطَرُّفَ نفسه وفي الوقتِ ذاتِهِ يرى تطَرُّفَ خصمِه الذي يساويهِ في القوَّةِ ويُعاكسُهُ في الاتِّجاه.

ووَفْقَ نظَريَّةِ "آين شتاين" في" النسبيَّة" فإنَّهُ لا يُدرِكَ هذا التفاوتَ والتَطَرُّفَ النسبيَّ من الفريقين إلا مَن كان يُراقِبُ مِن رَصيفٍ ثابتٍ، وهو هنا مَن لَزِمَ الوَسَطَ. َ

   وضابِطُ الوسطيَّةِ الخَطيرُ فيما أعتقِدُ هو إمكانُ رؤيةِ الطرفين بدرَجَةٍ واحِدَةٍ، فإن تفاوتَتْ درجةُ النظَرِ، ومالَ نحوَ أحَدِ الطرفين المُتعاكِسَينِ ابتَعَدَ عن الوسَطيَّةِ بحسبِ هذا المَيل.

فهو وإن لم يُصَنَّفْ معَ المُتَطَرّفينَ الخُلَّصِ فإنَّ فيه بعضَ خِصالِهم وهو لا يَشعُرُ !

ولئِن كانَ الإنصافُ عزيزًا فالوسطيةُ أعَزُّ.

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين