الإنسان في القرآن ـ 5 ـ

الشيخ  مجد مكي

من طبيعة الإنسان الجدل
قال الله تعالى: [وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا] {الكهف:54} فالإنسانُ أكثرُ جدلاً في الكمِّ والكيف من كلِّ مجادل في الوجود. والسبب في كوْن الإنسان أكثر شيء جدلاً: ما منحه الله من قدرات فكريَّة، وقدرات النطق التي يستطيع عن طريقها عرض الحجَّة الواحدة بعدد وفير من أساليب القول.
وما من رسولٍ أرسله الله إلا جادله قومه بالباطل جدالاً عنيفاً: [وَمَا نُرْسِلُ المُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ ] أي : مع وضوح الحق يجادل الذين كفروا رسلهم بالباطل من المذاهب والأفكار والأكاذيب ؛ ليزلقوا الحق في مزالق الشبهات والتلبيسات ، فيزيلوه عن مواقع ثباته في قلوب المؤمنين [وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا] {الكهف:56} أي : شيئا يستزأ به ؛ إذ لم يستطيعوا أن يقابلوا ما فيها من حجج وبراهين بما يكافئها ، فسترواعجزهم بأنها لشدة ضعفها لا تستحق أكثر من أن يُستهزأ بها !!
وقال تعالى: [مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البِلَادِ] {غافر:4}.
وقال عزَّ وجل: [وَجَادَلُوا بِالبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ] أي : خاصموا في آيات الله بالباطل من الأقوال المزخرفة والحيل الفكرية ؛ ليزلقوا الحق الذي جاءت به الرسل في مزالق الشبهات والتلبيسات والتدليسات؛ رغبة أن يزيلوا الحق عن مواقع ثبوته في قلوب المؤمنين به [ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ] {غافر:5}.
وقد يتمسَّك الإنسان بما هو ظاهر الفساد والبطلان، ويحاول بكلِّ وسيلة جدليَّة أن يقلب الباطل حقاً، والحقَّ باطلاً.
قال تعالى:[وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ] {الحج:3}أي : كل شيطان عاتٍ مفسد شديد الإقدام على الإغواء والإضلال .
 وقال سبحانه: [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ] أي : بغير حجة جلية وبرهان عقلي مستند إلى مقدمات عقلية ذوات دلالات قطعية [ وَلَا هُدًى ] أي : ولا علم تجريبي ناتج عن تجارب متكررة [وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ] أي : ولا علم خبري أت عن طريق كتاب منير الدلالات صحيح الثبوت [ ثَانِيَ عِطْفِهِ ] حال كون هذا المجادل لاويا جنبه وعنقه متبخترا متكبرا عما يدعى إليه من الحق [لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَذَابَ الحَرِيقِ] {الحج:8-9}.
***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين