الإنسان في القرآن ـ 2 ـ الإنسان كادح مكلف مسؤول محاسب

بقلم الشيخ : مجد مكي

قال تعالى:[لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ] {البلد:4}.أي : في شدة ومشقة ومعاناة ، منذ نشأته إلى منتهى أمره ، للامتحان والابتلاء في الحياة الدنيا .
وقال تعالى [يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ(6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ(7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا(8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا(9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ(10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا(11) وَيَصْلَى سَعِيرًا(12) ]. {الانشقاق}..
 [يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ] أي: إنك عامل مُتعب ٌنفسك راجعٌ إلى ربك لا مَحَالة.
[فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا] {الانشقاق:8} أي: لا مناقشة فيه.
روى البخاري(103) ومسلم(2876) عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ حُوسِبَ يوم القيامة عُذِّب)، فقالت: يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: [فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا] {الانشقاق:8}. فقال: (ليس ذاك الحساب، إنما ذلك العرض ، من نُوقش الحساب عذِّب ).
[وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ] {الانشقاق:10}.وهو الكافر ، [فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا] {الانشقاق:11}- أي: بالهلاك الأبدي - [وَيَصْلَى سَعِيرًا] {الانشقاق:12}. أي: ويدخل النار حتى يَصْلى حرَّها. [إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا] {الانشقاق:13}.
 هذا شأن أهل النار سرورٌ وضحكٌ في الدنيا، أما أهل الجنَّة فهم على مخافة وحزن وبكاء وشفقة:[فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ] {الطُّور:27}.
[إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ] {الانشقاق:14}. أي: ظن ظنا ضعيفا أنه لن يرجع إلى ربه حياً مبعوثاً فيحاسب، ثم يثاب، أو يعاقب، {بلى} أي: ليس الأمر كما ظن:[ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا] {الانشقاق:15}. أي: بصيراً به وعليماً بما يؤول إليه أمره من السعادة أو الشقاء.
فالله تعالى خلق الإنسان في محيط من الشِّدَّة والمشقَّة والضيق، ولذلك فهو بحاجة لتحقيق مطالبه إلى الكدح والسَّعي والعمل بنصَب ومشقَّة، ومصيرُ كدحه إلى ربه، ويومئذ يلقى جزاءَ كدحه، فإنْ كَدَح في طلب الخير ابتغاءَ مرضاة الله، نال ثوابه عنده في جنَّات النعيم، وإنْ كَدَح في طلب الشرِّ إرضاءً لأهوائه وشهواته، نال عقابه وكانت النار مثواه.
***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين