الإنسان في القرآن ـ 11 ـ ندامة الإنسان الكفور في الآخرة

 
 
الشيخ مجد مكي
قال الله تعالى :[فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبْرَى(34)] ـ وهي الداهية التي تطم وتعلو على سائر الدواهي ، هي القيامة التي تبدأ بالنفخة الثانية ـ [يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى(35)] ـ ما عمل ، والمعنى : يتذكر أعماله ، ويشاهده مدوناً في صحيفته ، بعد أن كان نسيه من شدة غفلته ، أو قسوة ما لقيه من هول القيامة ـ  [وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى(36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37) وَآَثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا(38) فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى(39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى(40) فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى(41) ]. {النَّازعات}.
وقال تعالى في وصف بعض مشاهد القيامة:[ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى]  ـ أي : من أين له العظة والعبرة ـ [يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي]  ـ أي : لأجل حياتي الخالدة ـ [فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ] {الفجر:25}. أي: لا يُعذِّب أحدٌ تعذيباً مثل تعذيب الله في الشدَّة لهؤلاء الطغاة.
هذا حالُ الإنسان الكفور العاصي، أما المؤمنُ الصالح، الذي آمن بالله وتوكَّل عليه واطمئنَّ بذكره سبحانه، ورضي بقضائه فيخاطب هذا الخطاب: [يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ(27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً(28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29) وَادْخُلِي جَنَّتِي(30) ]. {الفجر}. أي: ارجعي إلى دار كرامته حال كونك ، راضيةً بما نلت، مرضيةً عنده تعالى، فادخلي في زمرة عبادي المقرَّبين الذين اصطفيتهم ، وادخلي في جنَّتي. اللهم اجعلنا منهم .
 
 
 
 
الإنسان هلوع: جزوع منوع
 
[إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19) إذا مسه الشر جزوعاً(20) وَإِذَا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا(21) إِلَّا المُصَلِّينَ(22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ(23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(24) لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ(25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ(26) ]. {المعارج}.
{ إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا }: أي:جُبل الإنسان على حبِّ ذاته وحب لذّاته ، وما يتفرع عنهما من حب البقاء والسلامة ، والاستمتاع بما يستلذه، إذا أصابه الشر كان كثير التضجر والجزع ، وإذا أصابه الخير كان كثير المنع ممسكا قتورا فهو لا يصبر على خير ولا شر، حتى يفعل فيهما ما لا ينبغي.
ولهذا أمر الله تعالى بالصبر:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] {البقرة:153}.
وأثنى الله تعالى على الصَّابرين، فقال:[قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ] {الزُّمر:10}.
وروى البخاري(5643) ومسلم(2572): ( ما يصيب المسلم من نَصَب ـ أي : تعب ـ ولا وصب ـ أي مرض ـ ولا همّ ولا حَزَن، ولا أذىً ولا غمّ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه).
وروى مسلم (2999): (عَجَباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كلَّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إنْ أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له).
إذا مسَّه الخيرُ منُوعا} أي: إذا أصاب المال مَنَعَ منه حقَّ الله تعالى، ولهذا أمر الله تعالى بالإنفاق، ورغَّب في السخاء والبذل.
قال تعالى:[ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ] {سبأ:39}. [وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ] {البقرة:272}.
روى البخاري (1442) ومسلم(1010): (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا مَلَكَان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهمَّ أعط منفقاً خَلَفاً،ويقول الآخر: اللُهمَّ أعْطِ مُمْسِكاً تلفاً).
وروى البخاري(1410) ومسلم(1014): (من تصدَّق بعدْل تمرة ـ أي: بما يعادلها ـ من كسب طيِّب، ولا يقبل الله إلا الطيِّب، فإنَّ الله يقبلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها، كما يربِّي أحدُكم فلُوَّه ـ أي مهره ـ حتى تكون مثل الجبل) وصدق الله تعالى حيث يقول:[ وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ] {البقرة:276}.
 
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين