الإنسان في القرآن  ـ 1 ـ

الشيخ: مَجْد بن أحمد مكي

هذه خطب خطبتها عن (الإنسان في القرآن)، وهي تدخل في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، وقد وجدت بعض المسوَّدات لهذه الخطب، وقام الأخ الكريم الجندي المجهول الذي يعمل بصمت وإخلاص الأستاذ طارق عبد الحميد قباوة بصفها، وقمت أثناء زيارتي لجدة قادماً من قطر، بتصحيحها ومراجعتها،وقام الأخ الكريم الوفي الأستاذ بلال بيانوني بترقيم الأحاديث ومراجعة تخريجها، وأبقيتها كما هي، لتكون نواةً لكتاب متكامل حَوْل هذا الموضوع بعون الله وتوفيقه، وأقدِّمها اليوم للقراء مسلسلة في حلقات، راجياً النفع بها، سائلاً المولى سبحانه أن يوفقني لإتمام المئات من المشروعات العلمية المنتظرة، وأن يرزقني السَّداد والإخلاص والقبول.
خَلْق الإنسان
أبان الله تعالى لنا في القرآن الكريم كيف خلق الإنسان الأول، وأنَّ الإنسان قد أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، قال الله تعالى في سورة الإنسان:[هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا].فقد مرَّ على الإنسان حينٌ من الدهر السحيق في أغوار الزمن الماضي لم يكن للإنسان فيه وجود، وكان في العدم المحض.
1 ـ والماء: هو العنصر الأول من العناصر الماديَّة التي تكوَّن منها خلق جسد الإنسان كما هو العنصر الأول الذي خلق منه كل كائن حي.
قال تعالى: [وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ] {الأنبياء:30}. 
وقال تعالى:[وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {النور:45}.
وقال تعالى:[وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا] {الفرقان:54}.
2 ـ والتراب: هو العنصر الثاني من العناصر التي تكوَّن منها خلق الإنسان.
 قال تعالى:[وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا] {فاطر:11}. ويقول سبحانه:[وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ] {الرُّوم:20}.
3 ـ ومن امتزاج عُنصري الماء والتراب يتكوَّن الطين، فالطين هو المزيج الذي تكوَّن منه خلق الإنسان، وفي بيان هذه الحقيقة يقول الله تعالى [ذَلِكَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ العَزِيزُ الرَّحِيمُ(6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ(7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ(8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ(9) ]. {السجدة}..
ومرحلة الطين هذه في بَدْء خلق الإنسان الأول وصفها الله تعالى بأنها طين لازب، أي: طين لاصق بعضه ببعض متماسك لَزِج، فقال تعالى:[ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ] {الصَّفات:11}.
4 ـ وبعد مرحلة الطين تأتي مرحلة الحمأ المسنون، والحمأ هو الطين الأسود النتن، والمسنون هو: المُصَوَّر أو المملَّس.
وفي بيان هذه المرحلة من خلق الإنسان الأول، قال الله تعالى: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ] {الحجر:26}.
5 ـ وبعد مرحلة الحمأ المسنون تأتي مرحلة: جفاف الطينة ويبسها، حتى صارت صلصالاً، إذا نقرته صوَّت من يبسه.
 وفي بيان هذه المرحلة قال تعالى: [خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالفَخَّارِ] {الرَّحمن:14}.
6 ـ ثم تأتي مرحلة نفخ الروح، فبعد أن صارت الطينة صَلْصالاً، عندئذ نفخ الله تعالى فيه من روحه، فكان بشراً سوياً.
قال تعالى:[إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ] {ص:72}.
وأما في السلالات الإنسانية فيكون نفخ الروح في الجنين بعد علوقه بأربعة أشهر: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ(14) ]. {المؤمنون}..
روى البخاري(3208) ومسلم(2643) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصَّادق المصدوق: (إنَّ أحدكم يُجمع خَلْقُهُ في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون عَلَقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح ويُؤْمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله وعمله، وشقي أو سعيد...)
 
الغاية من خلق الإنسان:
إنَّ الغاية من خلق الإنسان في الحياة الدنيا: ابتلاؤه واختباره.
قال تعالى [إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا(2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3) ]. {الإنسان}.:.
فدلَّت هذه الآيات على أنّ الغاية من خلق الإنسان ابتلاؤه واختباره.
وأنَّ الخالق سبحانه لما خلق الإنسان للابتلاء مَنَحه وسائل المعرفة، وأهم وسائل المعرفة: السمع والبصر، لذلك قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}.
وقد أودع الخالق سبحانه في الإنسان الإدراك الذي يُميِّز به سبيل الهداية والرَّشاد، وسُبل الضلالة والفساد، وأنزل له الشرائع التي تُنير له الطريق، وتوجَّهه لسواء السبيل، دلَّ على ذلك قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}.
***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين