الإنسان في القرآن الكريم ـ6 ـ  كثرة جدل الإنسان

الشيخ : مجد مكي

كثرة جدل الإنسان:
نهى الإسلام عن الجدال بالباطل، وأوصى بالجدال بالتي هي أحسن:[ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] {النحل:125}.
وخاطب الله المؤمنين بقوله:[وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ]أي : إلا بالأساليب الفكرية والقولية التي هي أحسن وأفضل، فتقيَّدوا في مجادلتكم بكل قول مهذب ، وأسلوب أفضل [إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ] أي: لكن الذين ظلموا من أهل الكتاب، وحادوا عن الحق ن وافرطوا في العناد ، ولم ينفع معهم الرفق ، فأغلظوا عليهم ، وقابلوا السيئة بمثلها ، [وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ] من التوراة والإنجيل مما لم يدخل فيه تحريف ولا تبديل [ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ] لا شريك له في ريوبيته وإلهيته [ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ] {العنكبوت:46}.
 
ومن الجدال المذموم: المراء، وهو طعن الإنسان في كلام غيره بإظهار خلل فيه لا لإظهار الحق.
روى الترمذي (1993): عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ترك المراء وهو باطل بني له في ربض الجنة ـ أي: حولها ـ ومن ترك المراء وهو محق بني له في وسطها ومن حسن خلقه بني له في أعلاها).
جَدَلُ الإنسان يوم القيامة:
روى مسلم في صحيحه (2989) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُؤْتى بالرجل يوم القيامة من الكفار، فيقول الله له: ما صنعتَ فيما أرسلتُ إليك؟ فيقول: ربِّ آمنتُ بك، وصدَّقت برسلك، وعملت بكتابك، فيقول الله له: هذه صحيفتك ليس فيها شيء من ذلك؟ فيقول: يا رب إني لا أقبل ما في هذه الصحيفة. فيقال له: هذه الملائكة الحَفَظة، يشهدون عليك، فيقول: لا أقبلهم يا رب، وكيف أقبلهم ولا هم من عندي ولا من جهتي؟! فيقول الله تعالى: هذا اللوح المحفوظ أمُّ الكتاب قد شهد بذلك، فيقول: يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال: بلى. فقال: يا ربِّ لا أقبل إلا شاهداً عليَّ من نفسي، فيقول الله تعالى: الآن نبعث عليك شاهداً من نفسك. فيتفكَّر من ذا الذي يشهد عليه من نفسه؟. فيختم على فيه، ثم تنطق جوارحه بالشرك، ثم يخلَّى بينه وبين الكلام، فيدخل النار، وإنَّ بعضه ليلعن بعضاً، يقول لأعضائه: لعنكُنَّ الله، فعنكُّنَّ كنتُ أناضل، فتقول أعضاؤه: لعنك الله، أفتعلم أن الله تعالى يُكتم حديثاً؟
فذلك قوله تعالى:[وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا القُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا] {الكهف:54}، وقال سبحانه: [اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] {يس:65}.
الإنسان كثير الأماني
قال الله  تعالى : [أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى] {النَّجم:24} أي: أيظن الإنسان الكافر أن له  ما تمنَّى واشتهى من شفاعة الأصنام من غير جزاء . [فَللهِ الآَخِرَةُ وَالأُولَى] {النَّجم:25}.فله سبحانه ملك الآخرة بكل مافيها ،وملك الحياة الدنيا بكل ما فيها ، لا يملك أحد منهما شيئا إلا بإذنه ،وهو سبحانه يُعطي  بحكمته من يشاء ويمنع من يشاء لا ما يتمنَّى الإنسان من دون عمل.
 قال الله تعالى:[لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ولا يجدْ له من دُونِ الله ولياً ولا نصيراً] {النساء:123}.أي : ليس ما وعد الله من الثواب ودخول الجنة ولا النجاة من النار بالأماني الحاصلة في نفوسكم التي تريدون وقوعها – أيها المسلمون - ، ولا بأمانيِّ أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وإنما الأمر بالإيمان والاجتهاد في عمل الصالحات والسعي في فعل الخيرات، ولكن من يرتكب معصية مؤمنا كان أو كافرا، يجازه الله بها عاجلا أو آجلا ، ولا يجد له من دون الله وليا يحميه ويؤويه ن ولا نصيرا ينصره ، فيمنع عنه نزول العذاب الذي يستحقه بالعدل .
وقال صلى الله عليه وسلم: (الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتْبَعَ نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني) رواه أحمد (16674) والترمذي (2459) وابن ماجه (4260).
ولشدة أمنيات الإنسان يرتكب الموبقات طمعا بكرم الله سبحانه . قال تعالى مخاطبا الإنسان :[يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ] {الانفطار:6}.أي : ما خدعك وسوَّل لك الباطل ، وأمَّنك من عذاب ربك الرفيع القدر ، العظيم الشأن ، حتى صنعت ما صنعت ، وضيعت ما أوجب الله عليك ؟؟
وقال بعض الشعراء في وصف الإنسان وتغيُّر أمنياته :
 
فــهو لا يرضى بحال واحد     قـُـتــل الإنسان ما أكفــره يتمنى المرء في الصيف الشتاء    حتى إذا جاء الشتاء أنكره 

 ***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين