الإمام أبو حنيفة محدثاً وحافظاً

 

لا يشك أحد – فضلاً عن طالب علم - أن الإمام أبا حنيفة كان من التابعين، وأنه أدرك بعض الصحابة، وأنه من أهل القرون الثلاثة الأولى التي شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيرية والأفضلية.

وقد ذكر كثير من العلماء أن الإمام أبا حنيفة هو راوٍ من رواة الحديث، وإمام من أئمته، وحافظ من حفاظه، لكن لم يكن مكثراً من الرواية كالمحدثين المشهورين، لاشتغاله بالاستنباط وفقه الحديث والإفتاء.

ولكن لا شك في أن أبا حنيفة له اطلاع واسع على الأحاديث النبوية وروايتها، وإلا فكيف يفتي الناس في دين الله، ويوصف بالإمامة في الفقه من غير إطلاع على الحديث النبوي. وهذه أقوال العلماء دليل على ذلك:

1- مسعر بن كدام –وهو من شيوخ أبي حنيفة- (ت152هـ): ((طلبت الحديث مع أبي حنيفة فغلبنا))([1]).

2- يحيى بن آدم –أحد شيوخ البخاري- (ت203هـ): ((إن في الحديث ناسخاً ومنسوخاً كما في القرآن، وكان النعمان – أبو حنيفة- جمع حديث أهل بلده كله، فنظر إلى آخر ما قبض عليه النبي r فأخذ منه)) ([2]).

3- عبد الله بن داود الخُريبي (213هـ): ((يجب على أهل الإسلام أن يدعوا الله لأبي حنيفة في صلاتهم... ثم ذكر حفظه عليهم السنن والفقه))([3]).

4- الترمذي (ت279هـ) يقول في سننه، كتاب العلل: ((وَقَدْ عَابَ بَعْضُ مَنْ لاَ يَفْهَمُ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ الْكَلاَمَ فِى الرِّجَالِ وَقَدْ وَجَدْنَا غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ مِنَ التَّابِعِينَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِى الرِّجَالِ. منهم:...)) ثم نقل قول أبي حنيفة في جابر الجعفي([4]).

5- الحاكم (ت405هـ): ((النوع التاسع والأربعون في معرفة الأئمة الثقات المشهورين من التابعين ممن يجمع حديثهم للحفظ والمذاكرة، ومن بينهم أبو حنيفة))([5]).

6- البيهقي (ت458هـ): ((وقفوا على أحوال الرواة في الجرح والتعديل: منهم أبو حنيفة))([6]).

7- السرخْسي (ت483هـ): ((كان الإمام أبو حنيفة أعلم عصره بالحديث، ولكن لمراعاة رط كمال الضبط قلت روايته))([7]).

8- الكاساني (ت587هـ): ((إنه كان من صيارفة الحديث))([8]).

9- ابن تيمية (ت728هـ) يقول عند كلامه على حديث رد الشمس لعلي t ورده على الطحاوي الذي صححه: ((وهذا يدل على أن أئمة أهل العلم لم يكونوا يصدّقون بهذا الحديث، وهذا أبو حنيفة أحد الأئمة المشاهير... ومع هذا أنكر الحديث، وأبو حنيفة أعلم وأفقه من الطحاوي وأمثاله))([9]).

10- الذهبي (ت748هـ): ((إن الإمام أبا حنيفة طلب الحديث وأكثر منه))([10])، ((وعني بطلب الآثار، وارتحل في ذلك)).

11- ابن القيم الجوزية (ت751هـ): ((وأما طريقة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث كالشافعي وأبي حنيفة والبخاري ...))([11]).

12- ابن كثير (ت774هـ) يقول في مسألة حديثية: ((وهذا أبو حنيفة وهو من الأئمة المعتبرين، ينكر على راويه))([12]).

13- ابن خلدون (ت808هـ): ((ويدل على أنه –أبا حنيفة- من كبار المجتهدين في علم الحديث اعتماد مذهبه بينهم –أي الأئمة- والتعويل عليه واعتباره رداً وقبولاً))([13]).

14- ابن يوسف الصالحي (ت942هـ): ((اعلم رحمك الله تعالى أن الإمام أبا حنيفة من كبار حفاظ الحديث، ولولا كثرة اعتنائه بالحديث ما تهيأ له استنباط الفقه، فإنه أولُ مَن استنباطه من الأدلة))([14]).

15- ملا علي القاري (ت1014هـ): ((وإن حسن الظن بأبي حنيفة أنه أحاط بالأحاديث الشريفة من الصحيحة والضعيفة))([15]).

16- العجلوني (ت1162هـ): ((وأنه –أبا حنيفة- كان أعلم الناس بالكتاب والسنة، لأن الشريعة إنما تؤخذ من الكتاب والسنة.

نعم، لم يكن من المكثرين كسائر الأئمة، وليس من شروط الإمامة والاجتهاد الإكثار في الرواية، لأن الاجتهاد إنما يتوقف على حفظ السنن وتحملها، لا على أدائها وتبليغها))([16]).

17- وقال محمد عبد الرشيد النعماني (1419هـ): ((وقد شهد الأئمة في القديم والحديث بإمامة أبي حنيفة في الحديث))، ((وقد أطبق الحفاظ الجهابذة المحدثون الذين صنفوا في طبقات على ذكر الإمام –أبا حنيفة- فيهم)) ([17]).

وكان أبو حنيفة حافظاً، والمقصود بالحافظ: من توسع في الحديث وفنونه بحيث يكون ما يعرفه من الأحاديث وعللها أكثر مما لا يعرفه. وعلى هذا فالحافظ أرفع من المحدث([18]).

وممن ذكره في طبقات الحفاظ:

  1. الذهبي (ت748هـ) في تذكرة الحفاظ.
  2. ابن عبد الهادي المقدسي (ت744هـ) في طبقات علماء الحديث.
  3. ابن ناصر الدمشقي (ت842هـ) في التبيان لبديعة البيان.
  4. ابن المِبْرَد (ت909هـ) في طبقات الحفاظ.
  5. السيوطي (ت911هـ) في طبقات الحفاظ.
  6. البدخْشي (ت922هـ) في تراجم الحفاظ.

وفي الختام يقول الحافظ عبد القادر القرشي: ((اعلم أنا الإمام أبا حنيفة قد قُبِل قوله في الجرح والتعديل، وتلقاه عنه علماء هذا الفن وعملوا به، كتلقيهم عن الإمام أحمد والبخاري وابن معين وغيرهم من شيوخ الصنعة، وهذا يدلك على عظمة شأنه وسعة علمه وسيادته))([19]).

كما كتَبَ أحد المعاصرين رسالة سماها: ((الإمام أبو حنيفة النعمان محدثاً في كتب المحدثين)). طبعت في دار البيان في الكويت، تقديم الدكتور محمود الطحان والدكتور محمد فوزي فيض الله.

 


([1]) مناقب أبي حنيفة للذهبي (27).

([2]) كشف الأسرار للعلاء البخاري (1/16)

([3]) تاريخ بغداد (13/344).

([4]) علل الترمذي (ص388).

([5]) معرفة علوم الحديث (ص240).

([6]) دلائل النبوة (1/43).

([7]) أصول الفقه (1/350).

([8]) بدائع الصنائع (5/188)

([9]) منهاج السنة (4/194).

([10]) سير أعلام النبلاء (6/392).

([11]) إعلام الموقعين (1/259).

([12]) البداية والنهاية (6/85).

([13]) مقدمة ابن خلدون (1/455).

([14]) عقود الجمان (ص319).

([15]) شرح مسند الإمام أبي حنيفة (ص52).

([16]) الرسالة العجلونية (ص4)

([17]) مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث (ص58-21).

([18]) منهج النقد في علوم الحديث للدكتور نور الدين عتر (ص76).

([19]) الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية (1/30).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين