الإعجاب بالنفس

الإعجاب في اللغة:

السرور والاستحسان، والزهو والإعظام ومنه قوله تعالى:[ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا] {التوبة:25}.

وفي الاصطلاح:

الإعجاب بالنفس: السرور والفرح بالنفس، وبما يصدر عنها من أقوال أو أفعال من غير تعدٍّ على الآخرين، فإن كان هناك تعدٍّ على الآخرين باحتقار واستصغار ما يصدر عنهم، فهو الغرور، وإن كان هناك تعدٍّ على الآخرين باحتقارهم في أشخاصهم وذواتهم، والترفُّع عليهم فهو التكبُّر.

يبدأ العُجْب يسيطر على الإنسان فلا يمضي وقت طويل حتى يصبح أسير الغرور، والغرور صنو الكبرياء ومقدمته.

وعندما يسود الغرور أفراد المجتمع، ويعم العُجْب طبقات الناس، يغلب الشر على هذا المجتمع، ويكون البعد عن الناس في ذاك الوقت خيراً وغنيمة. وقد جاءت الآثار تدل على أن ذلك سيكون في آخر الزمان، عندما يقل الخير، وأنصاره، ويكثر الشر وأعوانه.

روى أبو داود عن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة. كيف تقول في هذه الآية: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {المائدة:105}.قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً. سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة؛ وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر. الصبر فيهنَّ مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله. قال: يا رسول الله: أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم.

وهكذا قرَّر هذا الحديث أنَّ من سمات المجتمع الفاسد الذي لا يصلحه النصح، ولا يُجدي فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العجيب (إعجاب كل امرئ بنفسه).

وبذلك هلكت الأمم السالفة إذا افترقت فرقاً، فكلٌّ معجبٌ برأيه، وكل حزب بما لديهم فرحون.

أسباب الإعجاب النفس:

1 ـ النشأة الأولى: ذلك أن الإنسان قد ينشأ في أسرة تحب المحْمَدة، ودوام تزكية النفس، بالحق أو بالباطل، تستعصي على النصح والإرشاد، فيحاكيها ويتأثر بها، ويصبح العُجْب جزءاً من شخصيته.

2 ـ الإطراء والمدح في الوجه دون مراعاة للآداب الشرعية المتعلقة بذلك، وذلك أن هناك فريقاً من الناس إذا أطري أو مدح في وجهه ساوره خاطر: أنه ما مُدح إلا لأنه يملك من المواهب ما ليس لغيره، وما يزال هذا الخاطر يلاحقه حتى يصاب بالإعجاب بالنفس.

روى مسلم في صحيحه: قام رجل يثني على أمير من الأمراء، فجعل المقداد يحثي في وجهه التراب، وقال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثي في وجوه المداحين التراب.

وروى البخاري في صحيحه قال: مدح مرج رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ويحكم قطعت عنق صاحبه، قطعت عنق صاحبك) مراراً، إذا كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة، فليقل: أحسب فلاناً، والله حسيبه ولا أزكِّي على الله أحداً..».

إنَّ من أقوى أسباب العُجْب كثرة مدح الناس، وإطراء المتملقين الذين جعلوا النفاق كسباً وعادة: ولاسيما والنفس ميالة لحب السماع والمدح والثناء كما يقول الشاعر:

يهوى الثناء مبرِّز ومقصِّر=حب الثناء طبيعة الإنسان.

3 ـ صحبة نفر من ذوي الإعجاب بأنفسهم، فالإنسان شديد المحاكاة والتأثر، وعدوى الصاحب تصل إلى قرينه.

4 ـ الوقوف عند النعمة ونسيان المنعم: كثير من الناس إذا حباه الله نعمة من مال أو علم أو قوة أو جاه، وقف عند النعمة ونسي المنعم،ويظن أنه ما أصابته هذه النعمة إلا لما لديه من مواهب وإمكانات، على حدِّ قول قارون: [قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي] {القصص:78}. فيفرح بنفسه وبما يصدر عنها، وذلك هو الإعجاب بالنفس.

ومصدر النعمة إنما هو الله عزَّ وجل: [وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ] {النحل:53} [وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {النحل:78} . والمسلم يدعو ربَّه صباحَ مساء قائلاً ثلاث مرات: اللهم ما أصبح بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر.

5 ـ الغفلة عن حقيقة النفس، فالإنسان إذا غفل عن حقيقة نفسه، وأنها من ماء مهين خرج من مخرج البول، وأن النقص طبيعتها، وأن مردَّها إلى التراب، فتصير جيفة منتنة تنفر من رائحتها الكائنات، إذا غفل الإنسان عن ذلك، ربما خطر بباله أنه شيء، ويقوى هذا الخاطر حتى يصير معجباً بنفسه.

ولذلك تحدَّث القرآن الكريم عن حقيقة النفس بدءاً ونهاية: [أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ] {المرسلات:20} ..[ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ] {عبس:21} [الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ] {السجدة:8}.

6 ـ عراقة النسب أو شرف الأصل: فيستحسن نفسه، ويتناسى أن النسب والأصل لا يقدِّم ولا يؤخِّر، والحق سبحانه يقول: [فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ] {المؤمنون:101}.

والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه: [وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] {الشعراء:214}.نادى عمَّه العباس رضي الله عنهما وعمته صفية، وابنته فاطمة، وقال: لا أُغني عنك من الله شيئاً.

7 ـ الإفراط والمبالغة في التوقير والاحترام: كدوام الوقوف وهو قاعد، وكتقبيل يده، والانحناء، والسَّيْر خلفه.. فتحدِّثه نفسه أنه ما حظي بهذا التوقير والاحترام إلا لما لديه من مواهب وخصائص.

ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القيام والتعظيم كما يعظم الأعاجم ملوكهم: (لا تقوموا كما يقوم الأعاجم، يعظم بعضها بعضاً).

آثار الإعجاب بالنفس:

للإعجاب بالنفس آثار سيئة وعواقب وخيمة، ومن تلك العواقب.

1 ـ الوقوع في شراك الغرور والتكبُّر، ذلك أن المعجب بنفسه كثيراً ما يؤدي به الإعجاب إلى أن يهمل نفسه ولا يحاسبها، وبمرور الزمن يستفحل الداء ويتحوَّل إلى احتقار واستصغار ما يصدر عن الآخرين، وذلك هو الغرور، ويتحوَّل إلى الترفُّع عن الآخرين، واحتقارهم في ذواتهم وأشخاصهم وذلك هو التكبر.

2 ـ الحرمان من التوفيق الإلهي. وذلك أن المعجب بنفسه ينتهي به الإعجاب أن يقف عند ذاته، ويعتمد عليها ويتناسى خالقة وصانعه ومدبِّر أمره والمنعم عليه بسائر النعم الظاهرة والباطنة، ومثل هذا يكون مآله الخذلان، وعدم التوفيق لأنه سبحانه لا يمنح التوفيق إلا لمن تجرَّدوا من ذواتهم، واستخرجوا منها حظ الشيطان، ولجؤوا إلى خالقهم تبارك اسمه وتعاظمت آلاؤه.

3 ـ النفور والكراهية من الآخرين: ذلك أن المعجب بنفسه قد عَرَّض نفسه لمقت الله، ومن أبغضه الله أبغضه أهل السموات، فيوضع له البغض في الأرض، فترى الناس ينفرون منه ويكرهونه، ولا يطيقون رؤيته ولا سماع صوته.

4 ـ العقاب والانتقام الإلهي عاجلاً أو آجلاً: ذلك أنَّ المعجب بنفسه يعرِّض نفسه بهذا الخلق إلى العقاب والانتقام الإلهي، فيصاب بالقلق والاضطراب النفسي، أو يؤجل له العذاب في الآخر، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي في حلةٍ تعجبه نفسه، مرجِّل جُمته (مسرِّح شعره والجمة ما سقط على المنكبين من الشعر ) إذ خسف الله به فهو يتجلجل (يغوص في الأرض) إلى يوم القيامة).

مظاهر الإعجاب بالنفس:

1 ـ تزكية النفس: المظهر الأول من مظاهر الإعجاب بالنفس، إنما هو دوام التزكية للنفس، والرفع من قيمتها، مع نسيان قول الله عزَّ وجل: [فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى] {النَّجم:32}.

2 ـ الاستعصاء على النصيحة: بل النفور منها، مع أنه لا خير في قوم لا يتناصحون ولا يقبلون النصيحة.

3 ـ الفرح بسماع عيوب الآخرين لاسيما أقرانه: يقول الفضيل بن عياض: إن من علامة المنافق: أن يفرح إذا سمع بعيب أحد من أقرانه).

الطريق لعلاج الإعجاب بالنفس:

1 ـ التذكير بحقيقة النفس الإنسانية: فقد خُلقت من تراب تدوسه الأقدام، ثم من ماءٍ مَهين يأنف الناظر من رؤيته، وسترد إلى التراب مرة أخرى، فتصير جيفة منتنة. وهي بين البدء والإعادة تحمل في بطنها العذرة، الفضلات ذوات الروائح الكريهة.

قال أحد السلف لأحد المعجبين بأنفسهم: أتعرف من أنا؟ فرد عليه: نعم أعرف من أنت، لقد كنت نطفة قذرة، وستصير جيفة قذرة، وأنت بين هذا وذاك تحمل العذرة.

2 ـ التذكير بحقيقة الدنيا والآخرة، فالدنيا مزرعة الآخرة، وهي إلى زوال والآخرة هي الباقية ودار القرار.

3 ـ التفكر بالموت وما بعده من منازل وشدائد وأهوال.

4 ـ التذكير بنعم الله تعالى التي تغمر الإنسان وتحيط به كما قال سبحانه:[وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ] {النحل:18} .وهذا التذكير يشعر الإنسان بضعفه وفقره وحاجته إلى الله.

5 ـ الاطلاع على أحوال المرضى وأصحاب العاهات، والموتى في وقت غسلهم وتكفينهم ودفنهم، وزيارة القبور بين الحين والآخر.

6 ـ محاسبة النفس أولاً بأول، والتعرف على العيوب في بداياتها ليسهل علاجها.

7 ـ الانقطاع عن صحبة المُعْجَبين بأنفسهم، وملازمة المتواضعين العارفين أقدار أنفسهم.

8 ـ دوام النظر في حياة السلف، وكيف كانوا يتعاملون مع أنفسهم، فإنَّ ذلك يحمل على الاقتداء والتأسِّي والمشابهة.

9 ـ تعريض النفس بين الحين والآخر لبعض المواقف التي تقتل كبرياءها وتضعها في موضعها الصحيح، كأن يقوم بخدمة إخوانه الذين هم أدنى منه مرتبةً، ويحمل أمتعته بنفسه، وهذا عمر لما قدم الشام عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره وحمل خُفَّيه ، وخاض الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة: لقد صنعت اليوم صنعاً عظيماً عند أهل الأرض، فصكَّ صدره، وقال: لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس، فأعزَّكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله.

فلنذكر فضل الله علينا بالإسلام ، ونعمته علينا بالإيمان ، ولنذكر دائماً ضعفنا وعجزنا ولنتهم أنفسنا، ولنبرأ إلى الله من حولنا وقوتنا. ولنعلم أن الإنسان مهما ظنَّ نفسه قوياً فهو ضعيف. ومهما حسب نفسه مصيباً فهو لابدَّ مخطئ، ولنتعاون على الخير والبر والتقوى، وليفترض كل واحد منا الخطأ في رأيه لأنه بشر، والبشر معرض إلى الخطأ.

إننا إن فعلنا ذلك نجونا من خطر العُجْب بالنفس والغرور، وحققنا لأمتنا بتعاوننا وتكميل كلٍّ منا نقص أخيه، كل ما تطمح اليه من سعادة وسؤدد.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

المصادر:

الإنسان في القرآن 309ـ310.

آفات على الطريق السيد نوح 117ـ138.

نشرت 2011 وأعيد تنسيقها ونشرها 15/9/2021

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين