الإضافة لا تستلزم التمليك

وصلني - عبر بعض الأهل - منشور أرسلَتْه إحدى الفاضلات، مشفوعا بسؤالها:

هل هذا صحيح أم منسوخ؟

وهذا نص المنشور:

البيت لزوجتك وليس لك إِنتبه..!

المعلوم أن الرجل مالك بيته، ولكن الرجل يسكن عند زوجته: (لتسكنوا اليها)

نعم ... إنها بيوت زوجاتكم ..!

فمن كنوز القرآن الكريم :- مررت بهذه الآية

{ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ } ..

لماذا نسب الله عز وجل البيت إلى المرأة رغم أنه ملك للرجل ؟!

هذا ما جعلني أبحث عن الآيات التي يُذكر فيها كلمة بيت مقترنة بالمرأة فوجدت هذه الآيات التي تطيب خاطر المرأة وتراعي مشاعرها وتمنحها قدرا عظيما من الاهتمام والاحترام والتقدير ..

 *قال تعالى : { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِه ِ} ﴿٢٣ يوسف﴾

امرأة العزيز تراود يوسف وتهم بالمعصية ورغم ذلك لم يقل الله عز وجل وراودته امرأة العزيز

أو وراودت امرأة العزيز يوسف في بيته .

 *وقال تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ } . (٣٣ الأحزاب)

 *وقال تعالى : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } . ﴿٣٤ الأحزاب﴾

ما أعظمك يا الله !

أليست هذه البيوت ملك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم

ولكنها نُسبت لنسائه ؟!

ياله من تكريم!

 *وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنّ } . ﴿١ الطلاق ﴾ .

حتى في أوقات الخلاف وحين يشتد النزاع وتصل الأمور إلى الطلاق الرجعي هو بيتها ..!!

تبقى آية واحدة لم ينسب فيها البيت للمرأة وهي :-

{ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } . ﴿١٥ النساء﴾

أما عندما أتت المرأة بالفاحشة وبشهادة أربعة شهود عدول لا ينسب البيت لها الآن يسحب التكريم ..!

أي جمال ودقة في آيات الله فسبحان من كان هذا كلامه .

والله ما رأيت ديناً يصون ويرفع قدر المرأة مثل الاسلام .

هذه حقوق المرأة في كتاب الله وليست حقوقها عند مدعي الحرية والسفور والانفلات .

علق بالصلاة على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. .

------------

فكتبتُ في الجواب:

صلى الله وسلَّم، وبارك وعظّم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليس في إضافة البيوت إلى الزوجات، الواردة في الآيات المذكورة، حكمٌ أصلا، حتى يُنسخ أو لا يُنسخ.

فعنوان المنشور الذي يقول: (البيت لزوجتك وليس لك) عنوان خطأ، يدل على تساهل أو غفلة من كاتبه.

ومضمون المنشور يناقض هذا العنوان.

فإن فيه أن إضافة البيت إلى الزوجة إنما كان لتطييب خاطرها وتقديرها وتكريمها...

يعني: ليس لتمليكها البيت.

لأن إضافة الشيء إلى الشيء لا تستلزم أن المضاف ملك للمضاف إليه، لا من حيث وضع اللغة، ولا من حيث دلالة الشرع، ولا من حيث العُرف.

فعندما يقول قائل مثلا: هذا شارعنا. أو هذه حارتنا. أو هذا مسجدنا. أو هذه مدرستي، أو هذه قريتي... لا يَفهم منه عاقل أنه يقصد ادعاء ملكية الشارع، أو الحارة، أو المسجد، أو المدرسة، أو القرية...

مع أنه استعمل صيغة الإضافة في كل ذلك.

وإنما مقصوده البدهي: أن هذا الشارع الذي يمر من أمام بيتنا، وهذه الحارة التي نسكن فيها، وهذا المسجد الذي نصلي فيه، وهذه المدرسة التي درستُ، أو أدرسُ فيها... وهكذا..

وهذا ما يعبِّر عنه أهل العربية بقولهم في العبارة الشهيرة عندهم: *(الإضافة لأدنى مُلابسة)*

ولتوضيح هذه العبارة أقول: لو سألك سائل: أي هذه العبارات الثلاث هي الصحيحة؟

(القرآن كتاب الله)

(القرآن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم)

(القرآن كتاب المسلمين)؟

والجواب: أن كل العبارات صحيحة، ولا تنافي بينها عند كل العقلاء.

فقد أضيف الكتاب إلى الله تعالى، لأنه هو الذي أنزله.

وأضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه هو المرسَلُ به.

وأضيف إلى المسلمين، لأنهم المؤمنون به.

فلكل واحد من المضاف إليه في الأمثلة الثلاثة، نوع ملابسة للقرآن، سوغتْ إضافته إليه.

وعليه فإضافة البيوت إلى الزوجات في قوله تعالى: (لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُیُوتِهِنَّ) وما شاكلها من الآيات المذكورة في المنشور، لا تعني أن البيوت ملكُهن.

وإنما أضيفت البيوت إليهن - مع أنهن لا يملكنها - لملابسة سكناهن فيها.

تماما كما يقول الذي يسكن بيتا مستأجرا: هذا بيتي.

فهو يقصد: البيت الذي يسكنه، مع أنه لا يملكه.

فهل اتضح أن الإضافة لا تستلزم التمليك؟

ثم إن هاهنا لفتةً أخرى تنقض دعوى الملكية في إضافة البيوت إلى الزوجات، التي يوحي بها عنوان المنشور، وهي: أنه كما جاء في القرآن نسبة بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أزوجه، في قوله تعالى في سورة الأحزاب: (وَٱذۡكُرۡنَ مَا یُتۡلَىٰ فِی بُیُوتِكُنَّ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ) [سورة الأحزاب 34]

فإنه قد جاء في نفس سورة الأحزاب، نسبةُ نفس البيوت إليه صلى الله عليه وسلم، في قوله تعالى: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدۡخُلُوا۟ بُیُوتَ ٱلنَّبِیِّ إِلَّاۤ أَن یُؤۡذَنَ لَكُمۡ ..) الآية.. [سورة الأحزاب 53]

فما الذي بصَّر الكاتب بالآية الأولى، وصرف بصره عن الثانية من نفس السورة؟!

إن هذه الانتقائية في الاستشهاد بالآيات، تثير التساؤل والريبة في بواعث المقال ومقاصده.

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين