الإصلاح الأخلاقي والإصلاح السياسي

إن الحالة الأخلاقية في مجتمعنا وخصوصاً في أوساط الشباب لا تتناسب مع عدد المساجد والخطب والدروس والحلقات المنتشرة في كل مكان .

 

لا أشك أبداً في فضل هذه المساجد والدروس والخطب والحلقات ، غير أن الحصيلة الكلية هزيلة جداً فمجتمعنا لا يمضي في طريق الفضيلة والسمو الأخلاقي بالسرعة التي نريدها، بل هناك مؤشرات تدل على تراجعه الأخلاقي وإن كنا لا نملك دراسة علمية إحصائية تثبت هذا التراجع.

 

حدثني أحد المربّين من أصحاب الاطلاع والخبرة عن انتشار حالة التناقض والفصام بين الشباب الملتزم دينياً الذين يلتزمون  ظاهرياً، أما عندما يكونون بعيدين عن أعين الناس فيتحللون من أي التزام!

 

هناك من يعتقد أن السبب يكمن في وسائل الاتصال الحديثة وما يُعرض فيها من أمور تثير الغرائز والشهوات، لكنني أعتقد أن المشكلة تكمن في طبيعة الخطاب الديني السائد في مجتمعنا.

 

إن حديثي عن جانب معين من الأخلاق هنا هو على سبيل المثال لا الحصر، فمفهوم الأخلاق في الإسلام لا ينحصر في مجال التعامل مع الغرائز والشهوات فقط بل هو مفهوم شامل ينظم علاقة الإنسان مع نفسه وربه والناس بل مع المخلوقات كلها والكون بأسره.

 

لقد جاء الإسلام ليحرر الإنسان من العبودية بكل أشكالها ، من العبودية للشهوات ومن العبودية للبشر، وليرتقي بهذا الإنسان إلى أعلى درجات الإنسانية.

 

إن الخطاب الديني السائد في مجتمعنا يركز على تحرير الإنسان من العبودية للشهوات ويتجاهل تماماً تحريره من العبودية للبشر - مع أن هذه العبودية منتشرة في مجتمعنا بشكل أشد وأبشع من انتشار العبودية للشهوات- وأنا هنا لا أدعو الخطاب الديني أن يقوم بشتم الحكام والمسئولين وإنما أدعوه أن يجعل من أولوياته رفع إحساس الناس بقيمتهم وإنسانيتهم  وكرامتهم إلى درجة تدفعهم إلى المطالبة بحقوقهم التي يكفلها لهم الدستور!     

 

إن الشاب المسلم يتلقى خطاب دينياً يسبب له التناقض والفصام!

 

 فالمطلوب منه أن يتمرد على الشهوات التي تتحرك فيه وأن يستكين للبشر الذين يسلبونه حقوقه الإنسانية الأساسية!

 

 المطلوب منه أن يكون حراً ( من الشهوات ) وعبداً ( للبشر ) في آن واحد!

 

 المطلوب منه أن يكون صادقاً في عبوديته لله ( برفضه العبودية للشهوات ) وكاذباً في عبوديته لله ( بقبول العبودية للبشر ) في آن واحد!

 

 المطلوب منه أن يكون عزيزاً ( بأن لا يطأطئ رأسه للشهوات ) وذليلاً ( بأن يطأطئ رأسه ويسكت على وضع سياسي ظالم يمنعه حقوقه الإنسانية الأساسية وأبسطها حقه في التعبير ) في آن واحد!

 

كيف لا تضطرب شخصية الشاب المسلم وتصاب بالتناقض والفصام عندما يُطلب منه أن يكون متمرداً ومستكيناً في الوقت نفسه.. حراً وعبداً في الوقت نفسه .. صادقاً وكاذباً في الوقت نفسه .. عزيزاً وذليلاً في الوقت نفسه !! 

 

إن كثيراً من الخطباء يصولون ويجولون عندما يتحدثون عن النساء والعري والشهوات، ولكن القليل القليل منهم من يتحدثون عن حقوق الإنسان في الإسلام وكرامة الإنسان في الإسلام وعدالة النظام السياسي والاجتماعي في الإسلام ...

 

إن الإنسان الخائف المقموع أكثر استعداداً للوقوع في الرذائل والانحرافات من الإنسان الحر المنطلق الذي يشعر بإنسانيته وكرامته

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين