الإسلام ومطالب الذوق والجمال

الشيخ محمد علي عثمان
 
روى البخاري قال: حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله، قال حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: (من أكل من هذه الشجرة ـ يعني الثوم ـ فلا يقربن مسجدنا).
هذا الحديث باب من أبواب أدب الاجتماع، فقد نهى صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم عن دخول المسجد والوجود فيه وقد سلك صلى الله عليه وسلم في هذا النهي مسلكاً رفيعاً فقد نهى عن الاقتراب من المسجد وهو أبلغ من الدخول لأن حكمة النهي الإيذاء ولذلك قيس على الثوم كل ما له رائحة كريهة، ولقد ورد في حديث جابر الذي رواه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا) وفي رواية لمسلم قال: (من أكل الثوم أو البصل أو الكراث فلا يقربن مسجدنا) والمراد من المسجد؛ المسجد الجامع لأن حكمة النهي الإيذاء كما تقدم ولا يتأتى هذا إلا في المكان الجامع، وهنا يمكن أن يقال إذا صلى إنسان في بيته فهل يحرم تلبسه بهذه الرائحة أو يكره؟ بكل قال بعض العلماء، ويؤخذ من حديث مسلم الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم).
 
إن النهي يتناول من يصلي في بيته ما دامت الرائحة موجودة، أما إذا زالت الرائحة بالطبخ أو تناول ماله رائحة زكية فلا محل للنهي.
 
ولقد جاء في رواية الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله في غزوة خيبر، وقال الداودي أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله حين أراد الخروج أو حين قدم من هذه الغزوة، وقال غيره أنه قاله في الغزوة نفسها و يؤخذ من قوله مسجدنا ما يؤيد قول الداودي، وفي حديث أبي سعيد الذي رواه مسلم ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم حدث بهذا عقب فتح خيبر فيكون المراد من المسجد المكان الذي أعد لصلاته صلى الله عليه وسلم بجماعة المسلمين مدة إقامته في خيبر، وقال بعض المحدثين المراد من المسجد ما يعم كل مسجد بدليل رواية أحمد عن يحيى القطان وفيها: (فلا يقربن المساجد)، ومما تقدم يتبين أن النهي لا يخص مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لأن حكمة النهي عامة في سائر المساجد والحديث شامل لكل من تلبس برائحة كريهة كمن يزاول القاذورات أو يحترف مهنة تتولد عنها رائحة كريهة كالدباغ والسماك.
 
فالإسلام دين اجتماعي حرص على سلامة المجتمع ودعا إلى تعاون الناس وتآلفهم بشتى الوسائل وشرع الجماعة في الصلوات والجمعة وسيلة من وسائل التعارف والتآلف.
 
فالمساجد أمكنة اجتماع المسلمين فيها يناجون ربهم، وهي دار ندوتهم فيها يتشاورون ويتبادلون الرأي فيما يعود عليهم بالخير في دينهم و دنياهم، وهي معاهدهم فيها يتعلمون معارف دينهم وعلوم شريعتهم ولقد كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دار القضاء والفتيا وقيادة الجيوش فهي مجمع المسلمين في شتى أحوالهم وشئونهم، فكان من الضروري أن يجنبها ما ينفر الناس أو يؤذيهم صيانة للمجتمعات الإسلامية، من عوامل الإيذاء والبغضاء، ومن أجل هذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً عن دخول المساجد حتى لا يتأذى منه روادها وقاصدوها، ولقد كان الإسلام حكيماً حين أعفى من خالط رائحة كريهة ولم يستطع إزالتها من حضور الجماعة والجمعة والعيدين إيثاراً لمصلحة المجتمع على مصلحة الفرد، وهي أصل من الأصول الاجتماعية التي يجب أن يتدبرها رواد المجتمعات في هذا الزمن، فلا يليق في نظر الإسلام أن يتسلل ذو الرائحة الكريهة إلى المجتمعات والحفلات أو ركوب المركبات الكهربائية أو السيارات العامة أو القطر البخارية ونحوها فيؤذي الناس برائحته أو يلوث ثيابهم بما يحمله من أذى، وكثيراً ما نشاهد أصحاب الثياب الملوثة والروائح الكريهة يجلسون في الأماكن العامة بجوار من يتأفف منه محتجاً بأن هذا المكان عام لجميع الناس وما درى أنه بذلك يخالف أصول الاجتماع وآداب المجتمع وأخلاق الإسلام وإن الدين ينهى عن الإيذاء وما يؤدي إلى الشحناء والبغضاء، ففي الحديث: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) والمراد بالمسلم هنا المسلم الكامل، وفي الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وهو الإيمان الكامل الذي يجعل الإنسان يحترم شعور أخيه فلا يؤذه بقول أو عمل أو مظهر كريه يظهر به.
 
ولقد جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يحث على التجمل عند الذهاب إلى المساجد، وما يدعو إلى العناية بنظافتها قال تعالى:[يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ] {الأعراف:31}. وقد امتدح الله أهل قباء بأنهم كانوا يحبون التطهر والتنظف ويبالغون فيه قال تعالى:[لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ] {التوبة:108}.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر: منبر الإسلام السنة الخامسة، محرم وصفر 1367هـ، المجلد 1+2.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين