الإسلام والغرب - موقفنا من الغرب
الإسلام والغرب
 
إن الإسلام رسالة عالمية، لا فرق عنده بين غرب وشرق، فكلاهما جزء من أرض الله الواسعة، كما قال تعالى: } ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله{... [البقرة2/115].
والغربيون هم جزء من العالمين الذين أرسل الله تعالى رسوله محمدا رحمة لهم، كما قال تعالى: }وما أرسلنا إلا رحمة للعالمين{ [الأنبياء21/107] .
ولكن المشكلة تكمن عند الغربيين أو - إذا أردنا الدقة - في أنفس كثيرين منهم، وموقفهم من الإسلام الذي كوّنوا عنه صورة في أذهانهم لا علاقة لها به، من قريب أو بعيد.
هذه الصورة ورثوها منذ الحروب الصليبية، حين قدمت جيوشهم من أوروبا في حملات متواصلة، مكتسحة دول المنطقة الممزقة، مقيمة لها ممالك وإمارات. وقد انتصرت في أول الأمر، ثم لم تلبث أن هُزِمَت هزيمة ساحقة في معارك حطين، وفتح بيت المقدس، ومعركة المنصورة، وأسر (لويس التاسع) في دار ابن لقمان الشهيرة.
هذه الحروب كان لها آثارها النفسية والعقلية، وكانت من أسباب نهضة الغرب بعد ذلك مما اقتبسه من حضارة الشرق الإسلامية. ولكن رجال الدين صوّروا الإسلام والمسلمين لعوام الناس صورة كريهة مُنَفِّرة، لا تمت إلى حقيقة الإسلام ولا أمته بصلة، بيد أنها رسخت في الذهنية الغربية، والنفسية الغربية، وتوارثها الناس جيلا بعد جيل.
ولذلك ترى بعض هؤلاء الذين تحدثنا عنهم،  حين يتحدث عن الأديان الأخرى غير الإسلام، وعن الأمم الأخرى غير أمة الإسلام، يتحلى بكثير من الموضوعية والإنصاف، فإذا تحدث عن الإسلام وعن حضارته وأمته، وقف موقفا آخر، فيه كثير من التحيز والميل مع الهوى، وكان على من يريد الإنصاف منهم أن يتجرد من العقد الموروثة، ويتقمص شخصية أخرى تغلّب الموضوع على الذات، والحق على العصبية. وهذا ما اعترف به غوستاف لوبون، ومونتجومري وات وغيرهما من الكتاب والمؤرخين الغربيين.
 موقفنا من الغرب:
أما نحن المسلمين فنريد أن ننفتح على الغرب، ونجد من ديننا ما يحثنا على ذلك، ولا نحب أن ننغلق على أنفسنا، أو نعادي غيرنا. والذي يدعونا إلى ذلك جملة أمور:
أولها: أننا أصحاب رسالة عالمية، جاءت لكل الناس في كل أنحاء الأرض.
صحيح أن كتاب الإسلام عربي، وأن رسول الإسلام عربي، وأن الإسلام نشأ في الشرق، ولكن هذا لا يعني أن الإسلام لجنس خاص، أو لجهة معينة، بل الإسلام لأهل الأرض جميعا.
ولقد نشأت المسيحية في الشرق، وانتشرت في أنحاء العالم.
ثانيها: أن أسباب اللقاء والتقارب والتفاهم كثيرة ووفيرة، وقد قال تعالى: } يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ...{ [الحجرات49/13] فالتعارف - لا التناكر - هو واجب شعوب الأرض جميعا.
لسنا مع الأديب الأوربي الذي قال: الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا. فإن اللقاء ممكن، بل واجب إذا غلب العقل على الهوى، والحكمة على العصبية.
ثالثها: أن العالم تقارب جدا وخصوصا بعد ثورة الاتصالات، والثورة الإلكترونية، حتى قال بعض الكتاب: إن العالم أصبح قريتنا الكبرى. ونحن نقول: إن العالم أصبح قرية صغرى لا كبرى، فالقرية الكبرى قديماً كان الناس في شرقها  لا يعرفون ما يجري في غربها إلا بعد يوم أو يومين، أو على الأقل بعد ساعات من وقوع الحادث. أما العالم اليوم فيعرف الناس ما يجري في أي مكان فيه بعد لحظات، وقد يتابع الناس الحادث أثناء وقوعه.
وكل هذا يحتم على أصحاب الرسالات السماوية أن يتحاوروا، وعلى أصحاب الحضارات أن يتفاهموا.. والحوار والتفاهم أولى من الخصومة والتنافر، ونحن المسلمين، كما ذكرنا من قبل، مأمورون- بنصوص قرآننا - أن نحاور المخالفين بالتي هي أحسن، وخصوصا (أهل الكتاب) منهم.
ماذا نريد من الغرب؟
كل ما نريده من الغرب يتلخص في هذه الكلمات:
أن يتخلى عن الأحقاد القديمة، فنحن أبناء اليوم لا بقايا الأمس.
وأن يتخلى عن الأطماع الجديدة والرغبة في السيطرة على بلادنا ومقدراتنا، فعصر الاستعمار قد ولّى.
وأن يتبنى النظرة العالمية والإنسانية، ويتخلى عن نظرة الاستعلاء، التي كانت عند الرومان ؛ الذين يرون كل من عداهم برابرة.
وأن يتجرد من مخاوفه منا، ولا سيما ونحن - منذ قرون- ضحايا ظلم الغرب.
وأن لا يتدخل في شؤوننا بفرض فلسفته وإرادته علينا بالقوة أو بالحيلة. فنحن أحرار في ديارنا، ننظّم حياتنا وفق عقيدتنا ومصالحنا وبإرادة شعوبنا.
لا مبرّر للغرب أن يتخذ منا (عدوا) يُعَبّئ مشاعر أممه ضدنا، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وأن يسمينا (الخطر الأخضر) بعد زوال (الخطر الأحمر) والتقارب مع (الخطر الأصفر).
إن الإسلام ليس خطرا إلا على الإباحية والإلحاد، وعلى الظلم والاستعباد، وعلى الرذائل والفساد. وفيما عدا ذلك فهو رحمة الله للعالمين، والمسلمون هم دعاة الخير والمحبة والسلام للعالم.
وإذا وجد في المسلمين أفراد أو فئات محدودة تستخدم العنف في غير موضعه، فهؤلاء لا يمثلون كل المسلمين، بل هم فئات صغيرة، ضخّمها الإعلام الغربي نفسه. وغالبهم دفعتهم إلى التطرف مظالم الغرب وعدوانيته وتحيزه ضد المسلمين، ووقوفه أبدا مع إسرائيل الغاصبة لدياره، المشردة لأهله. وشدة الضغط تولد الانفجار.
نحن المسلمين تقر أعيننا، وتنشرح صدورنا إذا وجدنا من ينصفنا ومن ينظر إلينا نظرة خالية من
التعصب، وإذا وجدنا ذلك نوهنا به، ورحبنا بأهله، وفتحنا لهم قلوبنا وديارنا.
من الميثاق الإسلامي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين