الإسلام والغرب بين أساطير الصدام وحقائق الانسجام - الاسلام والغرب
كتاب
 الإسلام و الغرب بين أساطير الصدام و حقائق الانسجام
 بقلم: بشار بكور
 

"كان المسلمون يشكّلون تهديداً للعالم المسيحي الغربي قبل أن يصبحوا مشكلةً بزمنٍ طويل". مكسيم رودنسون. [الصورة الغربية والدراسات الغربية الإسلامية، ص27، "تراث الإسلام"، الجزء الأول، عالم المعرفة،الطبعة الثانية 1988م.]
"على الرّغم من أنّ الإسلامَ ثاني أكبرِ ديانةٍ في العالم، وعلى الرّغم من أن التّراث اليهوديّ ـ المسيحيّ له صلاتٌ تاريخيةٌ، ولاهوتية، قويّةٌ مع الإسلام، فإنَّ تاريخ العلاقات اليهوديّة ـ المسيحيّة ـ الإسلاميّة كان تاريخاً من المنافسة والقتال، بدلاً من أن يكون تاريخاً من الحوار، والفهمِ المتبادل، بسبب المزاعم اللاهوتية المتنافسة، والمصالح السياسية". جون إسبوزيتو. [التهديد الإسلامي ص 296.]
"لن يكون هناك سلامٌ بين الأممِ ما لم يكن هناك سلامٌ بين الأديان، ولن يكون هناك سلامٌ بين الأديانِ ما لم يكن هناك حوارٌ بين الأديان". هانز كونج. [الإسلام والمسيحية،أليكسي جورافسكي،ص 8.]
"الحدائقُ مثل الحضارات يمكن وصفُها، وتحليلُها، وتفسيرُها. لكن هناك شيءٌ واحدٌ مؤكَّد، وهو أنه من السخفِ الحديثُ عن "صراع الحدائق". ومثله في السخف الحديثُ عن "صراع الحضارات". جاك ماتلوك [الإسلام والغرب، لبشار بكور ص 337]
"قد تبيّن أنه لا شيءَ أكثرُ صعوبة في الحضارة من أن نرى اللهَ، أو الخير، أو الكرامة موجودين في أولئك الذين يختلفون عنا". جوناثن ساكس. [الإسلام والغرب، لبشار بكور ص 231].
"كلا الصحفِّيينَ والدبلوماسيين، العائدين من الشرق الأوسط، يشهدون بأن دَعْمنا الأعمى لإسرائيل هو السببُ الرئيسي للعداء لأمريكا، المنتشرِ في العالم الإسلاميّ". بات بوتشانن. [الإسلام والغرب، لبشار بكور ص 339].
(الإسلام والغرب)، (الشرق والغرب)، (الإسلام والمسيحية) عباراتٌ تشير في طيّاتها إلى علاقةٍ معقّدة، متشابكة، عميقةِ الجذور في أرض التاريخ، علاقةٍ فيها الخيرُ والشرُّ، والحق والباطل، والعدل والظلم، والنور والظلمة، والحوار والصراع، وما إلى ذلك من الأضداد. بدأت هذه العلاقةُ منذ إرسال النبي صلى الله عليه و سلم كتبَه إلى الملوك والأمراء (النجاشي وهرقل وكسرى) يدعوهم إلى الهدى و دين الحق. واستمر ميزانُ هذه العلاقة يترجّح بين الحوار المثمر، والتبادل المعرفي والثقافي حيناً، وبين رَحى الحروب والصراعات السياسية والعسكرية حيناً آخر، والتي كان لها النصيبُ الأوفى والحظُّ الأعظم. وهذه الصراعات كانت من بين الأسباب التي جعلت أناساً من أبناء الغرب ينادون بصراع الحضارات وصدام الثقافات (مثل: برنارد لويس، وفوكوياما، وصموئيل هنتنغتون، وألين مينك) فهم يقولون: إن الصراعَ بين الحضارات المتباينةِ في العقيدة والتفكير والعادات لا محالةَ واقعٌ، وبخاصة بين الحضارتين: الإسلامية، والغربية؛ إذ كلُّ واحدة تسير في طريق مختلفة، وليس من الممكن أن يعيشا بودٍّ وسلام، بدليل مرور ألف عام على الصراع بينهما، كما أن الإسلام دينُ الإرهاب والقتل، يظلم المرأة، ويعادي العولمةَ، والديمقراطية، والقومية، والعلمانية، فأنى للنقيضين أن يجتمعا؟! إذن الحلّ أن يسود الغربُ بأفكاره وقيمه وعاداته وتقاليده وثقافاته، وعُجَره وبُجَره، وحُلْوه ومُرّه.
وكان مما أكّد رأيَ هؤلاء الباحثين حول حتمية الصراع وأحقّيته، التفجيراتُ التي هزت العالمَ في 11/سبتمبر، 2001م. إذ صار الكثيرون يعتقدون صحةَ نظرية هنتنغتون الصداميةِ، وأن التعدّديةَ الثقافيةَ والدينية، وجميعَ المحاولات والجهود الرامية إلى التسامح والتعايش السلمي والحوار بين البشر، قد دُفِنت كلُّها تحت أنقاض البرجين مع الضحايا والبرآء. ويعتقدون أيضاً أن الإسلامَ مصدرُ قلقٍ وتهديد للغرب، وهذا طبعاً اعتقادٌ قديمٌ قدمَ الإسلام ذاته، أشار إليه رودنسون، في كلمته المنقولة آنفاً. والأسبابُ الدافعة إلى اعتقادهم هذا هي:
الأصوليةُ الإسلامية (Islamic Fundamentalism) من حيث هي التحدي الأكبرُ،
والتهديدُ الأعظم للغرب ولمصالحه في المنطقة العربية. «فالثورةُ الإيرانية والهجماتُ على السفارات الغربية، وخطفُ الطائرات والرهائن، والأفعالُ العنيفة التي تقوم بها جماعاتٌ، تحمل أسماء مثل: جند الله، والجهاد... كلها كانت علاماتٍ على أن هناك إسلاماً مقاتلاً في طريقه إلى الصدام مع الغرب، كما أن الهبّاتِ التي شهدتْها الجمهورياتُ الإسلامية في الاتحاد السوفياتي السابق، وفي كوسوفو بيوغسلافيا، وفي كشمير، وفي سينكيانج بالصين، وفي الضفة الغربية وغزة، ومحاولة صدام حسين ضمَّ الكويت. كل هذه الأمور قد فرضت مجدداً صوراً لنمطٍ من الإسلام يتميز بنزعة توسعيةٍ وإمكانية التفجير في الأوساط السياسية العالمية». [التهديد الإسلامي، ص 18.].
وجود المسلمين المتزايدُ في الغرب، وزيادتهم قادمة من طريقين: الدخول في الإسلام من أبناء تلك البلاد، والإنجاب. أما الغربيون فهم يعانون من انحسار في أعدادهم. قال بعضهم: «من الواضح أن الإسلام في حالٍ من الصعود في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. وفي الغرب ينجب المسلمون المتدينون الأطفالَ، على حين أنه في مجتمعاتنا العلمانية، تسود فلسفةُ تنظيم الأسرة وسياسة العزل على العرش». وإنّ حرْصَ بعضِ هؤلاء المسلمين على تأدية ما فَرض عليهم دينُهم، مع عنايتِهم بإبراز هويتهم الإسلامية (اللحى، الحجاب) عززت هذا التهديد، وزادته قوةً وضراوةً.
عدمُ المواءمة بين الإسلام والديمقراطية، فليس من الممكن أن يجتمعا في بلد واحد، لأن وجودَ أحدهما إلغاء للآخر. وإن الطامّة الكبرى هي وصول الإسلاميين إلى مقاليد السلطة. فما مصير الأقليات غير المسلمة في البلدان الإسلامية، هل ستُمنَح الحرياتِ بأنواعها أم سيُسدّ فمُها، وتُغلّ يدها؟ ويقولون: المعروف عن الإسلاميين أنهم لا يتسامحون ولا يتساهلون مع مخالفيهم ومعارضيهم، فالوضع خطيرٌ جداً، والتهديد الإسلامي للغرب في تفاقم وازدياد.
الإسلام ضدّ الليبرالية والتحرر، وحرية الرأي والتعبير، والشواهدُ على ما نقول نحن الغربيينَ كثيرةٌ، أشهرها قضية سلمان رشدي وآياته الشيطانية (1988م)، وقضية نصر حامد أبو زيد، ومثله نوال السعداوي، وكذا والرسوم الكاريكاتورية الدنماركية حول النبي محمد (2005م) وغيرها.
يسعى كتاب "الإسلام والغرب بين أساطير الصدام وحقائق الانسجام" إلى إثبات أن تهديدَ الإسلام للغرب إن هو إلا سرابٌ، ووهمٌ، وأن المواجهاتِ والصراعات التاريخيةَ قديماً وحديثاً لا يصح اتخاذها دليلاً على وَسْم الإسلام والمسلمين بالإرهاب، وعلى استحالة التعايش المشترك معهم، واتخاذهم أصدقاءَ، وشركاءَ، وجيران، وزملاء دراسة إلخ يقول الكتاب: إن التعايش ممكن، بل هو قد كان وحصل فعلاً. ويقول: إن الاختلافَ والتباين بين المسلمين والغرب في كثرةٍ كاثرة من شؤون الحياة أمرٌ واقع، وهو طبعاً من سنن الله الكون، لكن هذا لا يعني اختلافَ القلوب، وتنافرَ الود، وانعدام المحبة، واستحالةَ التفاعل الإيجابي.
و قد جعلت الكتاب قسمين:
الأول: موضوعات متنوعة، تمس الحاجة إليها، وهي عشرة:
-لا صِراعَ تَحْتَ رايةِ الإسْلامِ
-أَحْداثٌ بَعِيدةُ الغَوْرِ والأثَر
-أَسماءٌ وأَلقابٌ
-انتِشارُ الإسْلامِ بينَ الإنْصافِ والجُحُودِ
-الإسْلامُ المُتحجِّرُ والإسْلامُ المُتطوِّرُ
-الإسْلامُ و الغَرْبُ: نَظَراتٌ بقلم العلّامةِ محمود محمد شاكر
-العَربُ والمُسلمون في عُيونِ هوليود
-برنارد لويس: بعضُ تُرَّهاتِهِ و أَضَاليلِه
- مِن غُرَرِ الكَلِم
-ولا يَزَالونَ مُخْتَلِفينَ
الثاني: مقالات ترجمتها عن الإنكليزية، وهي ثمانية:
-الإِسْلامُ العالميُّ: اسْتجابةُ المسلمينَ للتعدُّديةِ الدّينيةِ
-سُمُوُّ الاختلافِ: تَفَادي صِراعِ الحَضَارات
-الإِسْلامُ والغَرْبُ: صِراعُ الحَضَاراتِ أم حِوَارُها؟
-صِدَامُ الجَهَالاتِ!
-صِرَاعُ الحَضَاراتِ: عَوْدةٌ ثانيةٌ بعد 11/سبتمبر
-صِراعُ الحَضَارات؟: مَنطقيٌّ و غيرُ مَنطقيٍّ
-هلْ يُمكِنُ للحَضَاراتِ أنْ تَتَصارَعَ؟
- إِسْرائيلُ من حيث هي مَرْكزُ غَضَبِ المسلمين على الغَرب.
تبرهن هذه المقالاتُ على فسادِ وسقوطِ نظرية الصراع، مبينةً ما تنطوي عليه النظريةُ من آراء لا تثبت على النظر، وأخطاء تاريخية، وتزوير للحقائق، وتضليل لعقول البشر.
نشر الكتاب في دار الثقافة والتراث بدمشق 2008م.
 بشّار بن محمد بكّو
ماجستير في الدراسات الإسلامية (بريطانيا)
أستاذ في معهد الفتح الإسلامي
1- إطلاق وصف "الأصولية" على الإسلام غير صحيحة، فهي مصطلح غربي المولد والنشأة، يشير إلى  مذهب فكري في الحركة البروتستانتية،  ظهر في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الأمريكية، يؤكد المذهبُ على حرفية الكتاب المقدس، وجميعِ النصوص الدينية، مع رفضٍ كامل لجميع أنواع التأويل. وابتداءً من منتصف القرن العشرين، أصبحت "الأصولية" تعني: الخصومةَ للحداثة، والدفاعَ بشدة للحفاظ على الأصول كما هي، وعلى العقيدة والتراث الكنسي الكاثوليكي بكامله. ثم دخلت الكلمةُ المجالَ الإسلامي عام 1975م تقريباً. وأنت عندما تصف إنساناً بالأصولية فأنت تهينه وتضع من قدره. لأن "الأصولي" هو الجامد، الرجعي، المتطرف. ولا بد من الإشارة إلى أن جزءاً مما تعنيه الكلمةُ صحيح مقبول، لا غبار عليه، وهو التمسك بأصول الدين وثوابته والرجوع إلى الأسس للعمل بها، إلا أن إطلاق "الأصولية" اليوم لا يطال هذا المعنى. انظر كتاب "هدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة" للدكتورة زينب عبد العزيز، 65-81، و"التهديد الإسلامي"، ص23-24. وبسبب التفسير الحرفيّ للكتاب المقدس اعتقد الأصوليون البروتستانت بالعودة الجسدية للمسيح ليحكم الأرضَ لمدة ألف سنة سعيدة، والأخطر هو اعتقادُهم بوجوب وجود دولة إسرائيل في فلسطين، لأن تجمّعَ يهودِ العالم فيها، مرحلةٌ لا بد منها قبل المجيء الثاني لعيسى. ويقدر عدد المسيحيين الأصوليين في الولايات المتحدة بـ 62 مليوناً تقريباً. انظر "المسيحية والإسلام والاستشراق"، لمحمد فاروق الزين، 300-303، وكتاب "الأصولية بين الغرب والإسلام"، لمحمد عمارة، وكتاب "من أجل صهيون"، لفؤاد شعبان، وهو مهم جداً، ومفيد.
2-  يعيش تقريباً 25 مليون مسلم في الغرب، (7 مليون في الولايات المتحدة الأمريكية، ومليونان في بريطانيا). الإسلام تحت الحصار، ص 31، وفي إحصائية أخرى جمعها الدكتور أحمد الراوي من إحصاءات رسمية وغيرها،أن عدد المسلمين في أوربا الغربية 15 مليون وثمانمئة ألف، وفي أوروبا الشرقية والبلقان 34 مليون وستمئة ألف. انظر

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين