الإسلام دين معرفة الله والخوف من الله

الإسلام دين معرفة الله والخوف من الله

أساليب تربوية ومفاهيم دعوية من حياة الشيخ أحمد عز الدين البيانوني

د. عبد المجيد أسعد البيانوني

 

قال الله تعالى في وصف عباده الصالحين: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)} المعارج. مُشْفِقُونَ: أي خَائفون.

وفي الحديث الشريف: (أنا أعرفكم بالله، وأنا أخوفكم منه).

ودخل أبو بكر رضي الله عنه حائطاً ـ أي بستاناً ـ فنظرَ إلى عصفور فقال: " هنيئاً لك يا طير ! ن تأكل الثمر، وتستظلّ بالشجر، وتصير إلى غير حساب، ليتني كنت مثلك ".

وكان يقول: " يا ليتني كنت شَجرة تعضد وتؤكل ".

وكان يأخذ بطرف لسانه ويقول: " هذا الذي أوردني الموارد ".

وكان عمر رضي الله عنه يسمع الآية من القرآن الكريم فيسقط مغشيّاً عليه فيعاد أيّاماً.

وأخذ يوماً تبنة من الأرض فقال: "يا ليتني كنت هذه التبنة، ليتني لم أكُ شيئاً مذكوراً، ليتني كنت نسياً منسيّاً، ليت أمّ عمر لم تلد عمر".!

وكان في وجهه خطّان أسودان من الدموع.

وكان يقول: "لو كان لي ملء الأرض ذهباً لافتديت به من هول المطّلع ـ يعني يوم القيامة ـ"

وكلّمه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بإشارة عثمان وطلحة والزبير وسعد رضي الله عنهم في هيبته وشدّته، وأنّ ذلك ربّما يمنع طالب الحاجة من حاجته.

فقال: والله لقد لنت للناس حتّى خفت الله في اللين، واشتددتّ حتّى خشيت الله في الشدّة، فأين المخرج.؟! وقام يجرّ رداءه وهو يَبكي..

وبينما كان عمر رضي الله عنه يمشي في طريق من طرق المدينة، إذ لقيه عليّ ومعه الحسن والحسين رضي الله عنهم فسلّمَ عليه عليّ وأخذ بيده، فاكتنفاه الحسن والحسين عن يمينهمَا وشمالهما، فعرض لعمر من البكاء ما كان يعرض له. فقال له علي: ما يبكيك يا أمير المؤمنين.؟

قال عمر: ومن أحقّ منّي بالبكاء يا عليّ.؟! وقد وليت أمر هذه الأمّة، أحكم فيها، ولا أدري أمسيء أنا أم محسن.؟

فقال له عليّ: والله إنّك لتعدل في كذا، وتعدل في كذا.. فما منعه ذلك من البكاء..

ثمّ تكلّم الحسن بما شاء الله، فذكر من ولايته وعدله، فلم يَمنعه ذلك، فتكلّم الحسين بمثل كلام الحسن، فانقطع بكاؤه عند انقطاع كلام الحسين، فقال: أتشهدان لي بذلك يا بني أخي.؟ فسكتا، فنظر إلى أبيهما، فقال عليّ: اشهدا وأنا معكم من الشاهدين..

وكان لعثمان رضي الله عنه عبد فقال له: إنّي كنت عركت أذنك فاقتصّ منّي، فأخذ بأذنه، ثمّ قال عثمان: اشدد يا حبّذا قصاص في الدنيا لا قصاص في الآخرة..

وقال رضي الله عنه: " إنّه لو أنّي بين الجنّة والنار، لا أدري إلى أيّتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً، قبل أن أعلم إلى أيّتهما أصير ".

وكان يقول: " ودِدتّ أنّي إذا متّ لم أبعث."

وقال عليّ كرّم الله وجْههُ، وقد سلّم من صلاة الفجر، وقد علاه كآبة، وهو يقلّب يده: لقد رأيت أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم، فلم أر اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً صفراً، بين أعينهم أمثال ركب المِعزى ـ أي من كثرة السجود ـ قد باتوا لله سجّداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا، ذكروا الله، وهملت أعينهم بالدموع، حتّى تبلّ ثيابهم، والله لكأنّي بالقوم باتوا غافلين "، فقام فما رُؤيَ بعد ذلك ضاحكاً حتّى قتل.

وأتي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بطعام وكان صائماً، فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مِنّي، فكفّن في برْدة إن غطّي رأسهُ بدت رجلاه، وإن غطّي رجلاه بدا رأسه، وقتل حمزة، وهو خير منّي، فلم يوجد له ما يكفّن فيه إلاّ برده، ثمّ بسط لنا من الدنيا ما بسط، وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عجّلت لنا، ثمّ جعل يبكي حتّى ترك الطعام.

وقال عمران بن حصين رضي الله عنه: وددتّ أن أكون رماداً تنسفني الريح في يوم عاصف.

وكان عليّ بن الحسين رضي الله عنهما إذا توضّأ اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء.؟ فيقول: أتدرون بين يدي مَن أريد أن أقوم.؟!

وقال موسى بن مسعود: كنّا إذا جلسنا إلى الثوريّ كأنّ النار قد أحاطت بنا لما نرى من خوفه وجزعه.

ومرّ الحسن البصريّ رحمه الله تعالى بشابّ وهو مستغرق في ضحكه، وهو جالس مع قوم في مجلس، فقال له الحسن: يا فتى ! هل مررت بالصراط ؟ قال: لا، قال: فهل تدري إلى الجنّة تصير أم إلى النار.؟ قال: لا. قال: فما هذا الضحك.؟! فما رُؤي هذا الفتى بعدها ضاحكاً..

وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول: "إنّ المؤمن لا يسكن روعه حتّى يترك جسر جهنّم وراءه ".

وكان عطاء السلميّ رحمه الله من الخائفين، ولم يكن يسأل الله الجنّة أبداً، إنّما كان يسأل الله العفو.

وكان إذا أصاب الناس رِيح أوْ غلاء، قال: هذا من أجلي يُصيبهم، لو مات عطاء لاستراح الناس.

واجتمع أصحاب الحديث على باب الفضيل بن عياض رحمه الله، فاطّلع عليهم من كوّة وهو يبكي، فقال: " عليكم بالقرآن ! عليكم بالصلاة ! ويحكم ليس هذا زمان حديث، إنّما هذا زمان بكاء وتضرّع واستكانة، ودعاء كدعاء الغريق، إنّما هذا زمان: احفظ لسانك، وأخفِ مكانك، وعالج قلبك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر ".

وقيل للحسن البصريّ رحمه الله: يا أبا سعيد ! كيف أصبحت.؟ قال: بخير. قال: كيف حالك.؟ فتبسّم الحسن وقال: تسألني عن حالي.! ما ظنّك بناس ركبوا سفينة حتّى توسّطوا البحر، فانكسرت سفينتهم، فتعلّق كلّ إنسان منهم بخشبة، على أيّ حال يكون.؟! قال الرجل: على حال شديدة. قالَ الحسن: حالي أشدّ من حَالهم.

ودخلت على عمر بن عبد العزيز مولاة له، فسلّمت عليه، ثمّ قامت فصلّت ركعتين، وغلبته عيناها فرقدت، فبكت في منامها، ثمّ انتبهت فقالت: يا أمير المؤمنين ! إنّي والله رأيت عجباً ! قال: وما ذلك.؟ قالت: رأيت النار وهي تزفر على أهلها، ثمّ جيء بالصراط، فوضع على متنها. فقال: هيه.! قال: فجيء بعبد الملك بن مروان، فما مضى إلاّ يسيراً حتّى انكفأ به الصراط فهوى إلى جهنّم.. فقال عمر: هيه.! قالت: ثمّ جيء بالوليد بن عبد الملك، فما مضى إلاّ يسيراً حتّى انكفأ به الصراط فهوى إلى جهنّم. فقال عمر: هيه.! قالت: ثمّ جيء بسليمان بن عبد الملك، فما مضى إلاّ يسيراً حتّى انكفأ به الصراط فهوى كذلك.. قال عمر: هيه.! قالت: ثمّ جيء بك، والله يا أمير المؤمنين ! فصاح عمر صيحة، وخرّ مغشيّاً عليه.. فقامت إليه، فجعلت تنادي في أذنه: " يا أمير المؤمنين ! إنّي رأيتك والله قد نجوت ! إنّي رأيتك والله قد نجوت ! " فكانت تنادي، وهو يصيح، ويضرب برجليه..

وكان طاووس رحمه الله تعالى يفرش له الفراش، فيضطجع، ويتقلّى كما تتقلّى الحبّة، في المقلى، ثمّ يثب فيدرجه، ويستقبل القبلة حتّى الصباح، ويقول: طيّر ذكر جهنّم نوم الخائفين.

ووعظ ابن السمّاك رحمه الله تعالى يوماً في مجلس، فقام شابّ من القوم فقال: يا أبا العبّاس لقد وعظت اليوم موعظة ما كنّا نبالي ألاّ نسمع غيرها.. قال: وما هي رحمك الله.؟ قال: قولك: " لقد قطّع قلوب الخائفين طول الخلودين: إمّا في الجنّة أو في النار ".. ثمّ غاب عنه ففقده في المجلس الآخر فلم يره، فسأل عنه فأخبر أنّه مريض يعاد، فأتاه يعوده، فقال: يا أخي ما الذي أرى بك.؟ قال: يا أبا العبّاس ! ذلك من قولك: " لقد قطّع قلوب الخائفين طول الخلودين: إمّا في الجنّة أو في النار ".. ثمّ مات رحمه الله، فرآه أبو العبّأس في المنام فقال له: يا أخي ما فعل الله بك.؟ قال: غفر لي ورحمني، وأدخلني الجنّة. قال: بماذا.؟ قال: بالكلمة التي سمعت منك..

وكان الشيخ أحمد الترمانيني دفين الجبيلة في حلب رحمه الله تعالى يقول: " لو كنت أعلم أنّ جسدي يطيق النار ما سألت الله تعالى الجنّة، لأنّ مثلي يستحيي أن يسأل الله الجنّة "

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين