الإسلام أساس حياتنا، وسر قوتنا، وضمان بقائنا – 2-

 

المسلمون الذين يتدافعون في طريق الحياة مواكب مواكب، بهذا القصد العالي، وذلك الهدف النبيل، هم أولياء الله الذين يُساق فيهم هذا الحديث، والذين يقال فيهم [أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] {يونس:62} [أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63) لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ(64) ]. {يونس}. 

فأما بشرى الحياة للمؤمنين الأتقياء، فسكينة النفس، ونباهة الشأن، وحُسْنُ الذكرى، وقوَّة التمكين في الأرض. وأما في الدار الآخرة، فظفر بنعيم الله، وإقامة في رضوانه. 

ثم ينبغي أن يحكم الأمور بنهاياتها الحاسمة لا ببداياتها المتشابهة. فقد يحزن المؤمن في المرحلة الأولى؛ لأنَّ طبيعة الدنيا الابتلاء. لكن العزيز الغالب على أمره سبحانه، لا يغير قوانينه ولا يُبدِّل كلماته. ولذلك أتبع الآيات السابقة بهذه الآية المواسية: [وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ] {يونس:65}.

وإنَّك لتجد في هذا الحديث القدسي أنَّ المؤمن بعين الله، في آلامه كلها. إنَّ الله يجيبه إذا سأل، وهو حصنه إذا استعاذ، لكن القدر المكتوب لابدَّ من إنفاذه. وإنفاذه ليس علامة قطيعة وغضب. وتأمل فيما تنضح به هذه العبارة من حنو ومحبة: (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته). 

إنَّه يحب الحياة، ويودُّ ألا يتركها، وألا يُنغَّص فيها إذا صحبها.. لكن الموت حق؛ فانظر ما يكتنف إيقاعه في نفس الله .. مما يشير إلى مقدار إعزازه - جلَّ شأنه - لأوليائه. 

قلت: إنَّ هذا الحديث مُوافق لهدايات الكتاب والسنة في بيان حقيقة الإيمان والعمل الصالح. فإنَّ المسلمين ـ إبَّان استقامة تفكيرهم ـ لم يختلفوا في تفسير هذا العمل المنضاف إلى الإيمان. 

ولست أدرى: كيف فَهِم المتأخرون من أمتنا أنَّ هذا العمل هو العبادات وحسب؟! 

العمل الصالح الذي يُتقرَّب به إلى الله، ويبتغى به رضاه، يَستوي في تقويمه أن يكون عملاً عادياً أو عبادياً، فكلاهما في نَظرِ الإسلام أداة حسنة للخير، ومَظْهر جيد للهدى والحق!. 

وفي الحديث القدسي الذي ذكرناه إشارة إلى الوظائف الطبيعيَّة لحواس الإنسان وأعضائه. فالسمع والبصر هما المنافذ الأولى للعقل، وبهما يُكوِّن معلوماته عن كل شيء. 

واليد والرجل هما المظاهر الأولى للحركة، وبهما ينفذ المرء أغراضه، ويحقق مآربه، ومعنى إثبات هذه الأربعة في الحديث، أنَّ الإنسان المؤمن بربِّه يصل إلى المنتهى في مَرضاته يوم يكون حياته العلميَّة والعمليَّة كلتاهما مُسخَّرتين لرسالته السماوية. 

وأظنَّ ذلك إحصاء للنشاط الحيوي كله لا يستبقي وراءه شيئاً.! 

غاية ما هنالك أنَّ الإسلام اعتنى بطائفة من (العمل الصالح) ورسم لها هيئاتٍ وصوراً لا تعدوها، ولا تتغيَّر بتغير الأزمنة، كالصلاة والصيام. وترك بقيَّة الأعمال مُطلقة لا يحدُّها إلا الإطار العتيد الذي لابدَّ منه، وهو النيَّة الخالصة والغرض الشريف. ومع توفُّر النيَّة الصالحة، توزن في كفَّة الحسنات أشياء لا تخطر بالبال. 

روى البخاري عن أبى هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من احتبسَ فَرَساً في سبيل الله، إيماناً بالله وتصديقاً بوعده، فإنَّ شبعه، وريَّهُ وروثه، وبوله في ميزانه يوم القيامة) يعني حسنات. 

وفي رواية له: قيل يا رسول الله: فالخيل؟ قال: (الخيل ثلاثة، هي لرجل وِزْر، وهي لرجل سِتْر، وهي لرجل أَجْر، فأما الذي هي له وزر، فرجل ربطها رياءً وفخراً ونواء – مناوأة - لأهل الإسلام، فهي له وزر. وأما التي هي له ستر، فرجل ربطها في سبيل الله، ثم لم ينسَ حقَّ الله في ظهورها ولا في رقابها، فهي له ستر. وأما التي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات. ولا قطعت طولها ـ حبلها ـ، فاستنت شرفاً أو شرفين ـ يعنى جرت شوطاً أو شوطين ـ إلا كتبت له آثارها وأرواثها حسنات. ولا مرَّ بها صاحبها على نهر فشربت منه، ولا يريد أن يَسقيها، إلا كتب الله تعالى له عدد ما شربت حسنات). 

ما هذا؟! 

إنَّ الهدفَ العظيم يتمحَّض الرجل لخدمته يجعل كل شيء بين يديه من حوله عملاً صالحاً وخيراً جزيلاً.. إنَّ القصد العالي يملأ فؤادَ الرجل، فإذا كلُّ شيء وضع فيه يديه يتحوَّل إلى صلاة وزكاة، ومثوبة غامرة. 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

الحلقة السابقة هـــنا

[للمقالة بقية في الجزء التالي]

المصدر: (كتاب الإسلام والطاقات المعطَّلة).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين