الإدراك الحسِّي في القرآن الكريم، والسنَّة المُطهَّرة (1)

 

القسم الأوَّل:

مقدمة: 

اقتضت حكمة الله تعالى أن يُزوِّد الإنسان والحيوان بالإضافة إلى الدَّوافع والانفعالات بأجهزة تقوم بوظائف هامَّة في عملية الإدراك الحسِّي، وهذه الأجهزة تساعده على القيام بـ :

1) إدراك العالم الخارجي بالحواس الظاهرة ( السَّمع، البصر، الشمّ، الذَّوق، الحواس الجلديَّة ) فيتجنب مايؤذيه ويسعى إلى مايفيده

2) إدراك العالم الدَّاخلي عن طريق الإحساس لما يحدث في البدن من اختلال في الاتِّزان العضوي والكيميائي كالجوع ، والعطش، فيقوم بسدِّ النَّقص في أنسجة البدن وإعادته إلى حالته السَّابقة من الاتِّزان العضوي والكيميائي.

وميَّز الله الإنسان بوظيفة إدراكية هامَّة يتميَّز بها عن الحيوان هي " العقل" والذي يقوم بـ :

1) يعلو به عن إدراك الأشياء المحسوسة ويفكر في المعاني المجردة كالخير والشر والفضيلة والرَّذيلة، ولهذا العقل وظائفه في حياة الإنسان.

2) به يستدلُّ الإنسان على المبادئ العامة من الملاحظات والتَّجارب فبالعقل يستدل من بديع خلق الله للكون، وللإنسان نفسه على وجود الخالق .

ولكن قدرة هذا " العقل الإنساني " بالاشتراك مع الحواس :

1) قاصرة ومحدودة المعرفة خاصَّة في الأمور الغيبية التي لا يستطيع أن يدركها بحسِّه وعقله.

2) تفكير الإنسان معرض للخطأ فقد تحدث ظروف تعوق الإنسان عن التَّفكير السليم.

إذن الحواس والعقل وسيلتان يستعين بهما الإنسان في الإدراك والمعرفة ولكنهما غير كافيتين وحدهما للوصول للمعرفة اليقينية لذلك كان لابدَّ أن يتلقى الإنسان المعرفة من الله ليحقق سعادته في الدنيا والآخرة عن طريق :

1) الرُّسل والأنبياء.

2) الإلهام والفيض الإلهي الذي يخصُّ الله به بعض أوليائه.

الإدراك الحسي في القرآن: 

عن طريق الحواس الخمس وخاصة ( السمع والبصر ) والحواس الجلدية. 

الحواس في القرآن الكريم: اكتفى القرآن بذكر السمع والبصر كأداتيْنِ. من أدوات الإحساس:

1. لأهميتهما القصوى في عملية الإدراك الحسِّي.

2. لأنَّ في ذكرهما ما يلغي الدَّلالة على أهمية جميع الحواس في عملية الإدراك الحسِّي. قال تعالى : (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ? قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ)

[سورة الملك 23]. 

ويأتي ذكر السَّمع في القرآن قبل الإبصار في كثير من الآيات لعدَّة اعتبارات:

1. أنَّ السَّمع أهمُّ من البصر في عملية الإدراك الحسيِّ والتَّعلم وتحصيل العلوم ، فمن الممكن للإنسان إذا فقد بصره أن يتعلم اللغة ويحصِّل العلوم، ولكن إذا فقد سمعه تعذر عليه تعلُّم اللغة وتحصيل العلوم ، ومما يدلُّ على أهميَّة السَّمع في القرآن ذكره وحده مع العقل للدَّلالة على العلاقة الوثيقة بينه وبين العقل قال تعالى: ( وقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمعُ أونَعقِلُ ما كُنَّا في أصْحابِ السَّعيرِ) الملك: 10]. 

كما يذكر القرآن الكريم

السَّمع بمعنى الفَهم والتَّدبر والتَّعقل.

قال تعالى: ( وأنَّا لمَّا سَمِعنَا الهدى آمنَّا بهِ فمَنْ يُؤمنْ بِرَبِّه فلا يَخافُ بَخْسَاً ولارَهَقاً) [الجنّ:13].

2. أنَّ أوَّل حاسَّة تتكون للجنين في بطن أمه حاسَّة السَّمع لذلك فهي تعمل بعد الولادة مباشرة بينما يحتاج لفترة من الزَّمن ليرى الأشياء بوضوح.

3. أنَّ حاسَّة السَّمع تؤدِّي وظيفتَها باستمرار دون توقُّف بينما حاسَّة الإبصار قد تتوقف عن أداء وظيفتها إذا أغمض الإنسان عيْنَيِه، أو إذا نام ، كما يستطيع الصَّوت الشَّديد أن يوقظ الإنسان من نومه كما ذكر الله قصة أهل الكهف أنَّه ضرب على آذانهم حتى يستغرقوا في النوم فلا يوقظهم صوت ، قال تعالى: ( فضَرَبْنا على آذانِهمْ في الكهفِ سنين عدداً [الكهف: 11].

4. أنَّ حاسَّة السَّمع تسمع في كل الأوقات سواء في الضَّوْء أو في الظَّلام بينما حاسَّة البصر لا ترى إلا في الضَّوء.

ويذكر القرآن السَّمع مفرداً بينما يذكر الإبصار في معظم الآيات بصيغة الجمع لعدة أسباب :

أ ) أنَّ حاسَّة السَّمع تستقبل الأصوات الصَّادرة من جميع الجهات بينما العين لا ترى إلا إذا اتَّجه الإنسان ببصره نحو الشَّيء الذي يريد أن يراه.

ب) إذا حدث صوت في مكان يجتمع فيه جمع من الناس فإنَّهم جميعاً يسمعون نفس الصَّوت تقريباً بينما هم يرون الشَّيء الواحد من زوايا مختلفة وبذلك لا تكون رؤيتهم للشَّيء الواحد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين