الأيديولوجية والأدب .. سعد الله ونوس نموذجاً

 

لقد عرف العلمانيون كيفية استخدام الأدب في نشر عقائدهم .. بل أكاد أجزم أنهم نجحوا كثيراً في بث أفكارهم في عقول الناشئة . ولاتزال أعمالهم الأدبية هي الأكثر شهرة ومبيعاً في عالم الكتب , حتى الكثير منها تحول إلى أعمال فنية مما زاد في انتشارها ودخولها إلى كل بيت . ومن هؤلاء المسرحي سعد الله ونوس الذي طرح فكره اليساري في أعماله بطرق متعددة : 

 

فمثلاً مسرحيته ( الملك هو الملك ) المستمدة من أحدى قصص / ألف ليلة وليلة / , كان يبشر بأن ( الاشتراكية هي الحل ) بشكل فج وبأسلوب مباشر !! على غير عادة اليساريين عموما, حيث يتعمدون الخفاء أو التروي في الخطاب , لهذا فهي في منتهى السذاجة إذا ما قورنت مثلاً برواية ( الأم ) لمكسيم غوركي لأنها وإن كانت هي الأخرى تعتمد المباشرة إلا أنها أعمق فكرياً . 

 

بينما نجده في مسرحيته ( ملحمة السراب ) أقل وضوحاً في طرحه الأيديولوجي لكنه كان صريحا في محاربة خصومها , حيث عارض فيها سياسة حافظ الأسد الجديدة حين تخلى عن الكثير من المبادئ الاشتراكية ( ولعله يقصد قانون الاستثمار رقم /10/ أو ما شابه ) وقد شعرت شخصياً أثناء مطالعتها بأن ونوس كتبها وهو غضبان , طبعاً هو لا ينسى فيها الإساءة لعلماء الدين ! فالشيخ هنا يبيع عمامته لأجل مومس !! وهذا الأمر يظهر عنده كثيرا كحال مسرحيته ( سهرة مع أبي خليل القباني ) بل أقول هذا ديدن العلمانيين عامة , فليس أولهم توفيق الحكيم في ( مذكرات نائب في الأرياف ) ولا أخرهم عادل إمام في أفلامه !! .

 

وإذا انتقلنا إلى مسرحيته ( منمنمات تاريخية ) نجده يلمّح فيها إلى أن الخلل في الثقافة العربية مما جرأ التتار على العالم الاسلامي هو التمسك " بظاهر الإسلام " وترك العقلانية المتمثلة بالمعتزلة ( كعادة العلمانيين أيضاً في التمسح بهم !! ) قاصداً من وراء ذلك الإسقاط على الواقع المعاصر .

لكنه مع هذا يشير إلى مفارقة عجيبة ( وفيها أيضاً إسقاط ) وهي أنه بينما كان ابن خلدون ( ويرمز به إلى المثقف الحداثي !! ) يحيد نفسه كونه مجرد باحث ! ويهادن التتار ويتقرب إليهم بالهدايا الثمينة .. كان في المقابل ابن تيمية ( ويرمز به إلى الأصولي المحافظ !! ) يحرض المسلمين ضدهم بل يقود الجيوش بنفسه .. 

 

هذا وتجدر الإشارة إلى أن ونوس قد كتب مسرحيتين رائعتين :

الأولى : بعنوان ( الفيل يا ملك الزمان ) وهي صغيرة الحجم أقرب للأسطورة الشعبية  ذات المغزى المهم ..

والثانية : (مغامرة رأس المملوك جابر )  وهي مسرحية تاريخية فيها اسقاط على  صراع الأخوين / حافظ ورفعت الأسد / في الثمانينات وكيف كان سيؤدي إلى نتائج كارثية على سورية ..

 

والطريف أنه يذكر فيها جملة  معبرة على لسان أحد كبار السن من الرعية وهي قوله :

" .. ألا نتدخل نحن العامة في شؤونهم وخلافاتهم . ولو فعلنا لتوحدوا فورا ? واتجهوا بكل قواهم نحونا " !! .

 

ما أريده بهذه العجالة وهذا النموذج هو التأكيد على إيجاد البديل ( القوي ) النابع من هوية الأمة بعد أفول اليسار إلى غير رجعة، فكون الرواية الأدبية هي الأكثر مبيعا وانتشارا، فيجب أن يحضنا هذا ويشجعنا على الإنتاج النوعي والكمي لا أن نكتفي بالنقد فقط .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين