الأقصى والقدس وفلسطين في الميدان...فأين الإيمان - الأقصى والقدس والإيمان

الأقصى والقدس وفلسطين في الميدان.. فأين الإيمان؟

الأستاذ : خالد هنداوي

استجابة لنداءات أهلنا في القدس لجعل يوم الجمعة الفائت مناسبة للتعبير عن الغضب العربي والإسلامي مما جرى قبل أيام في اقتحام فئة المتطرفين الصهاينة اليهود للمسجد الأقصى المبارك إحياء لذكرى دخول المجرم شارون إياه في مثل هذا التاريخ وإمعانا في التحدي لمشاعر المسلمين، ناهيك عن استمرار الحفريات في محيط وتحت المسجد الميمون وبالأخص تحت المصليات، وقد أقام اليهود على ما ذكر الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في خطابه الجمعة الماضية أنهم أقاموا واحدا وستين كنيسا، وهكذا تتعرض القدس الشريف لأشرس المؤامرات التي أخذت في عهد نتنياهو تتسم بسرعة التنفيذ والتصميم على المتابعة لتهويد هذه المدينة المقدسة جغرافيا وديمغرافيا وتعليميا باستراتيجية دقيقة لمخطط مرسوم بهدف فرض الأمر الواقع على المقدسيين خاصة والفلسطينيين والعرب والمسلمين عامة، هذا بالإضافة إلى ما بات معروفا من بشاعة وشفاعة الحصار الرهيب المضروب على غزة هاشم.
 والحقيقة أن الحديث عن الأقصى والقدس وفلسطين حديث ذو شجون، إن درتنا المغتصبة التي هي صرة الوطن المقدس وملتقى الأقطار ومهبط الوحي ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومعراج تتعرض هذه الأيام لإبادة الأمة وإزالة الدين ومع أن التجاوب على ما لاحظنا ونشاهد عبر الفضائيات ما يزال ضعيفا بالنسبة لفداحة الأحداث وأهوالها على مستوى الحكومات والشعوب إلا أننا يجب أن نؤكد أنه بالصبر والمصابرة والاصطبار وتمتين الإرادة لمواجهة الصدمات المتوالية لابد للمقاومة أن تنتصر ويكلل القدر خطواتها بالنجاح والظفر، ولكن على أن نظل ثابتين في إدارة الصراع على وجه عقدي إيماني منطلقا وأصلا وأن يتمدد هذا التوجه على حساب التمدد السياسي والطرح الوطني والإقليمي الذي لم نَجْنِ من ورائه إلا الخيبة والتفرق والخضوع إلى أجندة لا تخدم من حيث الحال والمآل القضية الفلسطينية أمام هذا العدوان اليهودي الإجرامي المدعوم بالصليبية الحاقدة.
 ويجب أن نؤكد لعموم الأمة أن غزو الصهاينة المُسلَّح لفلسطين والقدس لا ينقض حق أهلها الأصلي والتاريخي فيها ولا يبرر ذلك ما تقوم به السلطة الفلسطينية من مفاوضات غير مدروسة ومبادرات عربية عقيمة ولا تصب من حيث الحقيقة في مصلحة القضية، ولعل التجارب والمواقف ومجريات الأمور قد أثبتت ذلك، أن المساومة على الحقوق غير مقبولة شرعا وقانونا وعقلا ونظاما ومروءة ونخوة، ولا تدل على إدارة نظيفة للقرار السياسي الفلسطيني، وكما قال الأستاذ خالد مشعل فإنه يجب علينا أن نوقف مهزلة التفاوض في كل ما يهم القضية، فقد أعطي بوش الأب والابن فرصتهما ولكن دون جدوى وأعطي أوباما الفرصة الآن ولكن الذي يبدو أن القول مخالف للفعل، فالصهيونية عقيدة دينية كما يبرهن على ذلك المفكر محمد الغزالي في كتابه اليهود المعتدون ص 123، بقوله: إن اليهود حولوا هذه العقيدة إلى طاقة تجعل الغني يعطي الملايين، وتجعل الجنود يبذلون الدم إتباعا للتعاليم اليهودية الموروثة عن التلمود ويضرب لذلك مثالا بموشى ديان وزير الدفاع وأصل اسمه "موسى" واليهود يقلبون السين شينا، وكيف حمل أعباء المعركة وسافر شرقا وغربا وحط في تونس والجزائر وكوريا ليتعلم طرائق الحرب الحديثة، حتى تم له التغلب على البلاد العربية في نكسة عام 1967 خلال حرب الأيام الستة، وكذلك بيجين رئيس الوزراء السابق وهو البولندي الذي جاء إلى فلسطين ليعمل على طرد العرب منها، ولا يخفى ما ضحى به اليهود من استقدام الأحباش (الفلاشا) مدعين أنهم من يهود بني إسرائيل واستجاب الأحباش ليتخلصوا من الفقر، وكذلك التهجير الذي أقنع اليهود فيه أكثر من نصف مليون من الاتحاد السوفييتي ومع أنهم ليسوا يهودا عملوا على تهويدهم بخطط مدروسة وكذلك ما فعلوه من تهويد قبائل هندية يربو عددهم على تسعمائة ألف نسمة منذ عام 1951 وما زال المسلسل مستمرا بتضحية فريدة لأنهم يعتقدون إضافة إلى صياغة اليهودي العقائدي واتفاق حاخاماتهم أنه يجب تحرير فلسطين من غير اليهود وأنه لن يتم انتصار إسرائيل كاملا إلا بالهجرة المكثفة إليها كما قال ابن غوريون وكما أكدته غولد مائير رئيسة الوزراء السابقة بقولها: إن الذي نحتاجه إنما هو الهجرة إلى إسرائيل، وهو الذي أكده ابا إيبان بعد حرب الأيام الستة، إن احتلال الأراضي ليس كافيا بل لابد لنا من تنشيط الهجرة وما ذلك إلا لأنهم يدركون أن نقص الهجرة سيكون سببا قوياً لزوالهم كما حدث للصليبيين من قبلهم، ومن جانب آخر فإنهم يعملون بكامل الاحتياط والحرص للتغلب على مشكلة الهجرة المعاكسة من إسرائيل.
 أقول: إن بعض هذه الأمثلة والمواقف البارزة في الدأب لبناء الحاضر والمستقبل بالنسبة لليهود تشعر بأن القوم مضحون وعمليون ومخلصون لباطلهم أكثر بألف مرة من إخلاصنا لحقنا نحن الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وحسب نواميس الكون وسنن الله في الخلق فلا نستغرب أن ينجحوا فمن زرع حصد، وهكذا رأينا أسلافنا حينما عاشوا مع الإيمان والإرادة والمثابرة استطاعوا أن يكونوا أسبابا للتغلب على المعتدين على قدر الله واتباع للسنن في البناء والتغيير في الزمان والبشر والظروف والأحوال، وقد رأينا ماذا فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتح بيت المقدس وعرفنا ما قام به الناصر صلاح الدين الأيوبي من جهود جبارة حتى استطاع بالإيمان والعدة وتربية الجيش على قيام الليل والمبادآت العسكرية أن يحرز النصر على الصليبيين، ومن هذا المنطلق أجاب لما سئل كيف انتصرت عليهم؟ قال: بقيام الليل، أي مع العدة، هذا القائد الذي جمع الغبار من معاركه وأوصى أن يكون وسادة توضع له في قبره حتى إذا حوسب قال للملائكة إن هذا الغبار كان في سبيل الله، لا في سبيل الأهداف الضعيفة والمطامع والمصالح واللهث خلف السراب الخادع من أعداء المسلمين.
فيا عجبا لليهودي التائه الذي كان يبحث له عن حارة في فرنسا أو روما أو القاهرة وهو يجد نفسه الآن، قد صارت له دولة، إن العرب الذين يبحثون عن النصر في فلسطين وطرد هؤلاء المحتلين منها لابد لهم أن يعودوا إلى أخلاق الجبابرة الذين سكنوا فلسطين وعمروها بالإيمان فكان لهم الأمان.
إن كنت تبغي فلسطينا وعودتها       فليس ترجع حتى يرجع الدين
حقا كما يؤكد محمد الغزالي في كتابه السابق ص281 إذا كان السمك يحتاج إلى الماء ليحيا والبشر يحتاجون للهواء فالعرب حينما يفقدون الدين يفقدون أسباب الحياة، إن اليهود الطارئين على فلسطين يدركون أهمية المعركة القائمة على اساس ديني بحت ولذلك يستقدمون اتباع توراتهم من المشرق والمغرب إلى أرض الميعاد.
 ويقول ابن غوريون لا قيمة لفلسطين دون القدس ولا قيمة للقدس دون الهيكل ويقول جرشون سلمون أحد أمناء الهيكل: لقد انتهى الاحتلال الإسلامي ونريد أن نبدأ عهدا جديدا من الخلاص للشعب اليهودي نعم إنه الخلاص ولو بالقرصنة اللئيمة والاغتصاب.
 ويقول شيمون بيريز إن القدس ليست قبلة العرب إنما هي هويتنا الروحية ويضيف: إن القدس ستبقى العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل وإننا لن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه، وهكذا يحاربوننا انطلاقا من العقيدة، ولابد أن نتساءل في الختام: القدس والأقصى مسؤولية من؟ إنها مسؤولية عامة لابد من التضحية في سبيلها قبل أن يسبق السيف العذل ويتغلب المشروع الصهيوني، فإلى هبة إيمانية من المحيط إلى المحيط ليفهم نتنياهو وليبرمان والغرب أننا أمة لن تقهر بإذن الله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين