الأقدار الحزينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

 
بقلم عبد الحكيم الأنيس
 (1)
          الحمدُ لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
          أيها الأخوة المشاهدون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
          سأل الحسنُ بنُ علي رضي الله عنه خالَه هند ابن أبي هالة وكان وصّافاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: صفْ لي رسولَ الله, فقال هند: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم السكت، ليست لهُ راحة". واستمرَّ هكذا يصف النبي صلى الله عليه وسلم.
          توقفتُ عند هذه العبارة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان, دائم السكت, ليست له راحة" وأعدتُ النظرَ في سيرته الشريفة, فرأيتُ أقداراً حزينةً كثيرة في حياة هذا النبي الكريم, ونظرتُ في هذه الدنيا فرأيتُ كثيراً من البائسين, والمحرومين, والمحزونين, فأردتُ أن أضع بين أيديهم صوراً من هذه الأقدار الحزينة سلواناً لهم فيما يرونهُ ويعيشونه ويحسونهُ, ومَنْ منا لا يحسُّ أحياناً بقدرٍ حزين, ومَنْ منا لا تملأ قلبَهُ آلامُ الدنيا وهمومُها وأشجانُها, فإلينا جميعاً هذه الصور, وهذه الأقدار الحزينة في حياة النبي, لعلنا نتسلى بها ونتأسى, لأنَّ رسولَ الله هو الأسوة لنا في علمه, وفي عمله, وفي حياته, وفي كل شيء صلوات الله وسلامه عليه.
          لا شك أنَّ مشاعر الحزن قد ملأتْ قلبَها وسيطرتْ على أحاسيسها, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جنينُ في بطنها كان يتشربُ حزن أمه, وكان يحسُّ بآلام أمه, فقد تشرَّب الحزنَ قبل أن يُولد, وقبل أن يأتي إلى هذه الدنيا.
          وعندما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم طفلاً فَقَدَ أمَّه عندما كانا عائدين من زيارة أخواله بني النجار في المدينة المنورة, وكانت تُدعى آنذاك بـ (يثرب), وهنا في الطريق أدركتْ الوفاةُ آمنة, ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو طفلٌ صغير يرى هذا المشهد, وتدمعُ عيناه, إنَّ هذا المشهد لم يفارقهُ في ساعة من ساعات حياته.
          ولذلك رأيناهُ ذاتَ يوم وهو يمرُّ في تلك المنطقة التي دُفنت فيها أمُّه يقف ويسألُ ربهُ أن يأذن لهُ بالوقوف على قبرها لزيارتها, والاستغفار لها, إنَّ مشاعرهُ لم تفارقهُ لحظة، لذلك وقف على قبرها يتذكرُ تلك الأيام, ويتذكرُ تلك الأحزان, قلبي عليك يا رسول الله كم تحملتَ من شجنٍ, وكم تحملتَ من حزن, وكم تحملت من ألم.
         ثم عندما شرفه اللهُ بهذه الدعوة وحمَّله رسالة الإسلام كانت أحزان الدعوة تملأ قلبَهُ الشريفَ في ذاته عليه الصلاة والسلام.
 أيُّ حزن هذا, الذي كان يملأ قلب النبي؟ وأيُّ شفقةٍ على هذه الأمة؟ وأيُّ إحساسٍ كان يحسُّ به وهو يريد أنْ ينقذهم من النار, ويأخذ بأيديهم إلى جنة الله عز وجل.
       كم يتحملُ قلبُ النبي وهو يرى الصخرةَ على صدر بلال في هجير صحراء مكة, وكلُّنا يعلم كم يبلغ الهجير في صحراء مكة.
        ويوم جاء عماربن ياسر يشكو إلى النبي ما يلقاه, ويعتذر عمّا قالهُ في ساعة من ساعات العذاب عندما نال من النبي وتكلم بكلمات مناسبة, قال لهُ: يا عمار إنْ عادوا فعُد, إن عادوا فعُد.
       إنَّ هذه الكلمات كانت تخرجُ من اللسان, ولم تكن تخرجُ من الجنان, فلا حرجَ عليهم ولا بأس عليهم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين