الأقدار الحزينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم -4- والأخيرة

 
عبد الحكيم الأنيس
 
(4)
          أيها الأخوة : مازلنا مع رسول الله وأقداره الحزينة.
        إنَّ فاطمة كانت تقوم في البيت بأعباء البيت, كانت تقومُ بكل ما يحتاج إليه البيت حتى شكت من ذلك، وحتى حملت من ذلك حملاً متعباً، وعبئاً كبيراً, فأرشدها عليٌّ أن تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً لتعينها على شدائد البيت وأعبائه, وانطلقتْ فاطمة ومنعها حياؤُها من الكلام, ثم عادتْ مرة أخرى وقال لها رسول الله: مالكِ يا بنية؟ فشكت إليه ما تلقاه من أعباء البيت. فقال لها: هل أعطيك خادماً وعندي أهل الصُفة فقراء أهل الصفة كيف أنفق عليهم لا والله.
إنَّ رسول الله ظلت في نفسه تلك الكلمات, وما شاء أن يرد فاطمة دون أن يعطيها هذه المرة غذاءاً نفسياً بدلاً من خادمة تقوم معها.
 
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان يفكر بغيره أكثر مما يفكر بنفسه، أو مما يفكر بأهل بيته.
وجاءت حادثة أخرى تلك هي معركة مؤتة يومَ انطلق ذلك الجيشُ وكان عدداً قليلاً ليقاتل جيشاً كبيراً، كانت الراية في يد زيد بن حارثة وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن أصيب زيد فيحمل الراية جعفر، وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة, ووقع الأمر على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
كان الوحيُ يراقِب هذا المشهد, وينقل الأخبارَ إلى رسول الله أوّلاً بأول, وعلم النبيُّ بهذا النبأ، وانطلق إلى بيت جعفر، لم يكن قد مرَّ على عودة جعفر من الحبشة زمنٌ طويل، وكان جعفر ابنَ عم النبي صلى الله عليه وسلم وقريباً إلى نفسه.
 
وشاء الله أن يُستشهد جعفر، وانطلق النبي في ذلك اليوم، وفي تلك الساعات إلى بيت جعفر فرأى زوجتهُ أسماء استعدت تنتظر عودة زوجها فقال لها: عليَّ بأولاد جعفر فأتت بهم فضمّهم النبي صلى الله عليه وسلم ودمعتْ عيناه وبكى, فشعرت أسماء وعلمت أنَّ في الأمر شيئاً.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحمَّل الكثير الكثير.
 
ثم شاء الله بعد ذلك أن يتحملَ فقد ابنه إبراهيم، هذا الولد الذي أكرمه الله به، والذي كان في أخريات أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يشبهُ أباه, وكان سلوةً له، ما إن ترعرع وبلغ سنة وبعض الأشهر حتى شاء الله أن يقبضه إليه، وحملهُ النبي صلى الله عليه وسلم بين ذراعيه وقال كلماته الدامعة الباكية تلك: "إنَّ العين لتدمع, وإن القلب ليحزن, وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
 
تلك هي جولة في أقدار النبي الحزينة وثم غيرها, والحياة قائمة على الألم والأحزان, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحملُ الكثير يعلمنا أنْ نصبر, ويعلِّمنا أنْ لا راحة للمؤمن إلا بلقاء ربه, فقد طُبعت الدنيا على الهمِّ والكدر, وهي دارُ العبور, وإن الآخرة لهي الحيوان.
 
اللهم خفِّف عنا آلامَ الدنيا وعوضنا الآخرة. وعوضنا جنةً عرضها السموات والأرض يا أرحم الراحمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين