الأقدار الحزينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم -3-

بقلم عبد الحكيم الأنيس
 (3)
   وجاءت معركة أحد، هذه المعركة التي كان النصر فيها لصالح المسلمين, ثم انقلب الأمر يوم خالف بعضُ المسلمين أمرَ رسول الله وغيروا مواقعهم, إنَّ المعصية والمخالفة كثيراً ما جرَّت البلاء على الأمة, وما أكثر ما تجرُّ علينا اليوم من بلاء, يوم نخالفُ الله، ويوم نخالف رسول الله.
      كان نتيجة ذلك أن سقط عددٌ من المسلمين شهداء، وقد بلغ هذا العدد سبعين شهيداً, وكان منهم عمّ الرسول حمزة أسد الله, وأسد رسوله.
 
   كان الموقف شديداً على رسول الله، فإنَّ حمزة كان له في الإسلام تاريخ, ولهُ موقف مشرف ومعظم. لقد انتصر للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة, ووقف معه, ووقف له, ثم هاجر فكانت قوته كبيرة للإسلام والمسلمين، وعلى أرض أحد, وعلى أرض تلك المعركة كان حمزة مجندلاً, وكان ممثلاً به أبشع تمثيل, وما أبشع تلك الأحقاد التي تدعو الإنسانَ إلى أن يمثل بأخيه الإنسان.
   وقف رسول الله على حمزة وهو دامي القلب وهو حزين جداً، وقال: "لن يصاب بك ولن أصاب بمثل هذا المصاب بعد اليوم. وأقسم أن ينتقم, ولكنَّ الله عز وجل وجههُ توجيهاً آخر، وبيّن له أن لا انتقام في الإسلام إلا للعقيدة وإلا للأحكام.
 
   إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان يشعر بمشاعر الإنسان.
       وعاد إلى المدينة، وكانت الأنصارُ تبكي على شهدائها, وعندما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال: "ولكن حمزة لا بواكي له"
       إن حمزة المتغرب في الله، المهاجر في سبيل الله لا بواكي له, وما أقسى على الإنسان أن يموت غريباً, أن يموت في غير أرضه, أن يموت بعيداً عن أهله, مَنْ سيبكي عليه عندئذ؟
   ولكن حمزة لا بواكي له...
 
        وجاءت نساء الأنصار بعد أن بلغتهم هذه الكلمة يبكين على حمزة, وخرج رسول الله ليقول لهن: "ارجعن فقد آسيتنّ, ارجعن فقد آسيتنّ"..
        "ولكن حمزة لا بواكي له"
        على ماذا تدلُّ هذه الكلمة؟, إن هذه الكلمة تدل على الحزن الشديد الذي كان يملأ أرجاء قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
 
   ومصاب آخر ذلك هو مقتل القراء (الستة) الذين كان منهم خُبيب بن عدي وآخرون, إنَّ خبيباً الذي أُسر والذي بيع لقريش ثم صُلِبَ على مشارف مكة كان وهو على خشبة الصلب يقول: اللهم بلغ نبيك عنا السلام، وأنا لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة يطلع على هذا المشهد, لقد بلغهُ الوحي به، ولا شك أن الحزن كان يحيط بقلبه الشريف على قتل عدد من أصحابه الكرام.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين