الأصَيْرِم الشهيد الذي لم يصل ولم يصم

رجال ومواقف:

الأصَيْرِم الشهيد الذي لم يصل ولم يصم

حيدر الغدير

 

(1)

الأصَيْرِم – رجل مسلم

المسلم: ويحك يا رجل!.. أمَا آن لك أن تدخل في الإسلام!؟

الأصيرم: أنت قانع بما أنت عليه، وأنا قانع بما أنا عليه.

المسلم: إنك والله تظلم نفسك قبل أن تظلم غيرك. إن الإسلام يا ابن العم سعادة لك في دينك ودنياك.

الأصيرم: اسمع يا ابن العم.. لقد عشنا طويلاً قبل هجرة المسلمين إلى يثرب، وكنا سعداء بما نحن فيه.. فما عدا مما بدا؟

المسلم: كنا سعداء؟! فليكن ذلك.. إنه على فرض صحة هذا الذي تقول.. فسعادتنا سعادة الجاهل الذي لم يعرف شيئاً سوى ما نشأ عيه، فهو به مشغول، وهو عليه حريص.

الأصيرم: وأيُّ بأسٍ في هذا؟

المسلم: البأس كل البأس به.. إن الإسلام لو عرفتَه يا ابن العم حياة جديدة، كلها جمالٌ ونصاعة، وصدقٌ ونظافة، تشعر فيها أنك قويٌّ متين، وثيق الصلة بالسماء، متين الجذور في الأرض، تحبُّ إخوةً لك في الله، ويحبك هؤلاء.

الأصيرم: لستُ أرى شيئاً يدعوني إلى الإيمان بما أنتم عليه.

المسلم: ويحك يا رجل!.. هل سمعت عن رجل قط زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد كذب ولو مرة واحدة؟؟

الأصيرم: لا، ما سمعتُ بهذا قط على كثرة التُّهَمِ التي وُجِّهت إلى محمد بن عبد الله من أعدائه. "المسلم يقول: صلى الله عليه وسلم"

المسلم: إذن فلماذا لا تؤمن به وتصدقه؟

الأصيرم: لا أخفي عليك أني لا أجد في نفسي رغبة في ذلك.

المسلم: أمَا رأيتَ عقلاء المدينة قد أسلموا!؟ سعد بن عبادة، سعد بن معاذ، وسواهما كثير كثير؟

الأصيرم: بلى، سمعت.

المسلم: إذاً؛ فليسعك ما وسعهم، وأنتَ تعلم مَنْ هم رأياً وفضلاً وحسن نظر.

الأصيرم: يا ابن العم، دَعْني من حديثك هذا، ولتبقَ فيما أنت عليه، ولأبقَ فيما أنا عليه.

المسلم: أما إنك لعنيد. لقد رجوتُ لك الخير، وأمَّلتُ لك الهداية، لكنك مُصِرٌّ على الضلال. "في صوت ضارع هادئ يدعو": اللهم اكتب له الهداية، وارزقه النجاة من هذا الضلال.

 

(2)

اثنان من المسلمين يتحدثان بصوت سريع يدل على الاهتمام

الأول: أعَلِمتَ بما فعلت قريش؟

الثاني: لا.. أحَدَثَ شيء ذو بال؟

الأول: لقد جاءت تريد الانتقام مما حلَّ بها يوم بدر..

الثاني: وأين وصلَت؟

الأول: إنها بالقرب من جبل أحُد، أعدَّت جيشاً كثيفاً يقوده أبو سفيان، تريد الفتك بالمسلمين.

الثاني: إنَّ الله حائلٌ بينهم وبين ما يريدون.

الأول: صدقت، لكنهم أجمعوا على معركة ضارية، وقد بلغنا أنَّ أربعة من أشد فرسانهم تعاهدوا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم. "الثاني يكرر الصلاة".

الثاني: خسئوا، الله أغيَرُ على دينه من أن يطفئ نوره هؤلاء السفهاء المعاندون.

الأول: وعلامَ عوَّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "الثاني يكرر الصلاة"

الثاني: نزل على رأي أصحابه في الخروج إلى أحد، بعد أنْ كان يرى التحصن بالمدينة المنورة. "صمت" هيّا بنا نلحق بإخواننا.

الأول: هيّا بنا.

 

(3)

الأصَيْرِم – رجل مسلم.. "نفس الذين ظهرا في المشهد الأول"

المسلم: "في صوت سريع متعجل" سلامٌ عليكم يا ابن العم.

الأصيرم: مرحباً بك مرحباً.. أراك مستعجلاً ملهوفاً.

المسلم: رسول الله خارج في جيشه نحو أحُد، أريد اللحاق به.

الأصيرم: عجباً!.. وما الأمر؟

المسلم: "في صوته المتعجل الملهوف" قريش عسكرت عند أحُد تريد غزو المدينة. وداعاً يا ابن العم.

الأصيرم: قف، بالله عليك!.. إني أريد الذهاب معك.

المسلم: "مستنكراً" تريد الذهاب معي؟.. ويحك، إنك مشرك.. فما أنتَ وذاك؟

الأصيرم: لأذهبنَّ معك فلأجاهدنَّ مشركي قريش هؤلاء.

المسلم: أَحَدَباً على قومك، أم رغبةً في الإسلام!؟

الأصيرم: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

المسلم: "فرِحاً سعيداً" الله أكبر!.. لك الحمد يا رب، بورك فيك يا ابن العم. هيا خذ سلاحك ولنذهب معاً إلى أحُد.

الأصيرم: هيا بنا.. هيا.

 

(4)

"صوت المعركة" – رجل من المسلمين – صوت من المشركين

- رجل من المسلمين: "يهتف" يا معشر المسلمين، الثباتَ الثباتَ، إنها والله إحدى الحسنيين، إما النصر وإما الشهادة.

"صوت المعركة تسمع أصوات متداخلة، وصهيل خيول، وقعقعة سلاح"

- صوت من المشركين: "يهتف" يا أبطال قريش!.. خذوا ثارات بدر.. يا لثارات بدر.. يا لثارات عتبة وشيبة، يا لثارات أبي الحكَم وأمية.

"صوت المعركة يعلو".

 

(5)

اثنان من المسلمين يتحدثان وهما جريحان مُتعبان

الأول: أمَا إنه لَيومٌ مشهود، غفر الله لنا فيه ما قصّرنا.

الثاني: كانت الغلَبة لنا أول الأمر، حتى خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. "الأول يكرر الصلاة".

الأول: الحمد لله على ما اختار. ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير.. فكل مصيبة بعده هينة.

الثاني: كأنه صوت جريح قريبٍ مِنّا، فلنذهب إليه. "صوت حركة"

الأول: مَنْ؟.. يا للعجب!.. إنه أصيرم بني عبد الأشهل "صمت" عمرو بن ثابت.

  السلام عليك.. عجباً لك.. ما جاء بك!؟ لقد كنتَ تنكرُ علينا الإسلام.

الأصيرم: "في صوت ضعيف" اسمع يا أخي.. لقد كنتُ أنكرُ عليكم.. لكنني والله ما خرجتُ للقتال حتى أسلمت.

الأول والثاني: "معاً" الحمد لله، الحمد لله، إذاً.. فما قاتلتَ دفاعاً عن أحساب قومك أن تستباح؟

الأصيرم: لا والله، إنما أخرجني حبي لهذا الدين.. الحمد لله رب العالمين، لقد كانت نعمته عليَّ عظيمة، ففي يومٍ واحد، أسلمتُ، وجاهدتُ واستشهدتُ. "يضعف صوته ويتقطع"

أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين