الأسد يتوسّل أحرار سورية لفتح المعابر

لقد اختار النظام السوري الظالم ومنذ بداية الثورة السورية سياسة الحصار والتجويع والخناق، حيث مارسها ولسنوات عديدة على شعبه في الغوطة وجنوب دمشق والزبداني ووادي بردى وغيرها من المناطق الثائرة، حتى وصلت إلى حدٍّ مأساوي من الجوع والمرض والفقر الذي لم نشاهده حتى في البلاد الإفريقية الفقيرة.

وها هو اليوم يتجرع جزءاً من الكأس الذي أذاقه لشعبه (مع فارق الشبه بين الحالين) من الحصار والغلاء، مع أننا نعلم أنّ هذا الحصار لا يتأثر به هو وأعوانه الأثرياء، بل يلتدع به طريد الطوابير المعتر. وانعكاس الحصار على النظام وأثره عليه هو أثر معنوي وسياسي، ومع ذلك هو أثر جدّ خطير بنظر الشعب، فلا سلطة ولا سيادة لمن لا يقدر على تأمين معاش رعيته وأمانهم وحاجاتهم.

وفي الوقت الذي اتفقنا فيه أنّ هذا الحصار ناجع (على الأقل سياسياً) مع المافيا الأسدية، وهو الذي يعوّل عليه شعبنا المظلوم، خرجت مبادرة روسية خبيثة تريد فتح معابر الشمال، لتكون مُتنفساً وملاذاً لنظام الأسد، بطلب وإلحاح منه بعد أن شارف على الهلاك، فالدولار في دمشق يطرق حيطان 5000 ليرة سورية، وحاضنته الشعبية القريبة منه باتت تلعنه ليلاً نهاراً.

وقد تناقلت أمس وسائل التواصل الاجتماعي خبر اتفاق روسي تركي، يقضي بفتح المعابر بين نظام الأسد والشمال المحرر، فضجّ بهذا الخبر الشمال برمّته، ورُفض هذا الإجراء جملة وتفصيلاً، وها هم أبناء الثورة ينتفضون بمظاهرات غاضبة ضدّ هذا الاتفاق.

والظاهر أن لروسيا مآرب خبيثة تودّ تمريرها من خلال هذا الاتفاق المزعوم. فهي تعمل جاهدة وفي محاولات عديدة الإيقاع بالضامن التركي، وهو هدفها الأعظم من هذه الخدعة التي تلعبها، لتقول للشمال المحرر: هذه هي تركيا حليفتكم تُغيّر سياستها، وتلين اتجاه الأسد، فتفتح له المعابر لينتعش اقتصاده، وبذلك تدقّ إسفيناً بليغاً بين الحليفين تركيا وأحرار سورية.

وبنفس الوقت تكون روسيا فعلاً قد أنعشت نظام الأسد اقتصادياً ولو جزئياً، وأنقذت ليرته المتهاوية، وحرّكت العملة الصعبة عبر سحبها من المحرر، ولا يعدم الشمال السوري بعض ضِعاف النفوس المعروفون بالعمالة والخسة، الذين ينتظرون تلك اللحظة، حتى يتهافتون على الكسب بأي طريقة كانت، ولو على حساب الشعب المكلوم وثورته اليتيمة.

ونستطيع القول أنّ من أهداف روسيا في فتح المعابر (في هذا الوقت الذي يحضّر بشار فيه للانتخابات الجديدة) إعطاء الأسد نقطة لصالحه أمام شعبه الكاره له، والساخط عليه، ولكنه مغلوب على أمره.

إن اتفاق روسيا مع تركيا في هذا التوقيت حيث سبق الاتفاق بساعات قصف شديد من الاحتلال الروسي والعصابة الأسدية لمنطقة الأتارب، فاستهدف فيه مستشفى والعديد من المدنيين الأبرياء، إنما يعبر عن سياسة روسيّة وقحة، وهمجية ممنهجة، فهي تقتل المدنيين بيد وباليد الأخرى تفتح معابر الحياة لميليشيات المجرم الأسد.

أما بالنسبة لتركيا فلا أظنها تنطلي عليها هذه الخدعة بسهولة، فتركيا تعلم أنّ السياسة الروسية جلّ اعتمادها على المكر والخداع والكذب، وأنّ روسيا لم ولن تكن يوماً عامل سلام ومبادر خير. إضافة إلى أن تركيا تدرك خطورة فتح هذه المعابر على المدنيين والأبرياء، وأيضاً خطورتها على القوات التركية ذاتها، فروسيا والنظام وإيران وقوات البي كي كي في خندق واحد في وجه أحرار سورية وحليفتهم تركيا، فالخلاصة أنه لا مصلحة مرجوة لتركيا من هذا الاتفاق على الإطلاق.

وأقول لأهلنا في الداخل السوري القابعين في معتقلات بلا أسوار، الذين يقضون حياتهم سعياً على طوابير الذل: اصبروا فما بقي إلا القليل، والنظام هالك لا محالة، وها هو يستنجد بمعابر إدلب المحررة، بعدما عجز عن إعالة شعبه، والمحاكم الدولية تعمل بلا هوادة، والمجتمع الدولي المنافق بدأ يتململ في السكوت على هذا النظام، وعلى ما يبدو أن المجرم بدأ يبحث عن ملجأ أخير يأوي إليه هو وعائلته المجرمة، فالنصر قادم لا ريب فيه.

وعلى النظام المجرم ألا يفرح ويستبشر بالمعابر، فأهل الشمال المحرر عموماً على دراية ووعي لهذه المكيدة، وأظن أن هناك إجماع من كافة الجهات الثورية بعدم التعاطي مع هذه المعابر، ومعاملتها وكأنها مازالت مغلقة، وهذه الجمعة ستكون رداً مزلزلاً على روسيا والنظام، فمعابرنا لن تكون إنعاشاً لمن يقصفنا ويقتلنا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين