الأزهر – صيته أسقط وزارة

 

في رسالة مغزاها أن الأمور في مصر تسير سيرها المعتاد، وأن الاستيلاء على السلطة من قبل العسكر وتداعياته لم يعطل حركة الحياة في البلد، رأت سلطة الانقلاب أن تكون بداية الدراسة هذا العام 2013/2014 في الجامعات في وقتها المحدد، إلا جامعة واحدة، لم تجد السلطة الجائرة بدا من تأخير الدراسة فيها، إنها جامعة الأزهر.

ولم يخيب طلبة الأزهر ظن الظانين بهم، فما إن بدأت الدراسة، حتى التم شملهم، لا ليستأنفوا دراستهم، ولكن ليتسلموا مركز القيادة في مسيرة التحرر ورفض الظلم، بازلين كل ما يملكون، أنفسهم. شأنهم في ذلك شأن أسلافهم منذ أن رفع الأزهر لواء الإسلام الصحيح، إسلام أهل السنة. ومن يومها وهو يعلم أبناءه أن الصدع بالحق ميراث النبيين وأن دفع الباطل سنة الله إلى يوم الدين، وأن من استعمله الله في ذلك لا ريب من الفائزين. علم ذلك شوقي من الأزهريين فأنشد:

زَمَنُ المَخاوِفِ كانَ فيهِ جَنابُهُمْ " " حَرَمَ الأَمانِ وَكانَ ظِلُّهُمُ الذَرا

وللأزهر في مضمار دفع الباطل والزود عن الأرض والدين علامات ومحطات منها ما بلغ من الشهرة غاية، لدرجة أن سمعته – فقط سمعته - في هذا أسقطت وزارة كان يدعمها الإنجليز إبان احتلالهم لمصر، واستعصى على الملك عزلها. وإليك بيان ذلك:       

في 28 فبراير 1922 أصدرت بريطانيا من جانب واحد تصريحا منحت فيه مصر استقلالها وسيادتها بعد ثمان سنوات من فرض الحماية عليها، وتحديدا منذ نوفمبر 1914، غير أن بريطانيا اشترطت لنفسها تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر، والحق في الدفاع عن مصر ضد أي اعتداءات أو تدخلات خارجية وكذلك الحق في حماية المصالح الأجنبية في مصر وحماية الأقليات إضافة إلى حقها في التصرف في السودان. 

وقد رأى فيه المصريون استقلالا شكليا لا يرقى إلى طموحهم، فالجيش البريطاني سيظل في مصر، ما يعنى حرمان مصر من تكوين جيش وطني، وسيكون من حق بريطانيا التدخل في الشأن المصري وثالثة الأثافي هي فصل السودان عن مصر. ومن ثم رفضوا هذا التصريح. 

وكان هذا التصريح نتيجة مباحثات ومراسلات سرية بين حكومة عبدالخالق ثروت و اللورد أللنبي المندوب السامي البريطاني، تمت بدون علم الملك فؤاد الأول، ما أثار غضبه على ثروت وحكومته، فعزم على التخلص منها. ولم يكن هذا بالأمر الهين، فما كان الإنجليز ليسمحوا بهذا، وقد ارتبطوا معها بهذا الاتفاق الذي يعده المصريون التفافا على مطالبهم بإنهاء الاحتلال وجلاء القوات البريطانية. 

حاول الملك أن يحرج الوزراء بالذوق، بأن يتجاهلهم في المناسبات الرسمية وألا يدعوهم إلى القصر، وكان يتعمد ألا يصافح ثروت باشا في أي حفل رسمي. وكان من عادة الملك أن يصلي الجمعة في أحد المساجد، ويتم استقباله من رئيس الوزراء والوزراء على باب المسجد، فكان لا يصافحهم ويصافح من دونهم منصبا. غير أن هذا كله لم يجد نفعا، فلم يستشعروا حرجا ولم يتقدموا بالاستقالة. 

قام الملك باستدعاء حسن نشأت رئيس الديوان الملكي بالإنابة – وكان داهية – واستشاره، فأشار عليه بأن يصلي الجمعة في الجامع الأزهر، حيث يقول في مذكراته التي سجلها مصطفى أمين في كتابه "أسرار ثورة 19" الجزء الأول " وكنت أعرف أن الأزهر كان شعلة الوطنية، وكان ملتهبا لا يحتاج إلى كبريت ...وأن الوزراء لا يجرؤون على الظهور في الأزهر لانتظار الملك كالمعتاد"

استحسن الملك الفكرة وطلب منه أن يبلغ الوزارة بمكان صلاة الجمعة، فدعاها ثروت للاجتماع لبحث الأمر، وتوجه بعضهم إلى اللورد أللنبي لإخباره بأنهم لا يستطيعون الصلاة في الجامع الأزهر، وأنها مؤامرة لإحراجهم، ودعوه لأن يتدخل لدى الملك لاختيار مسجد آخر غير الأزهر. فكان رد أللنبي أنها مسألة دينية وأن من تقاليد بريطانيا ألا تتدخل في المسائل الدينية. حاولوا إقناعه بأنها مسألة سياسية مؤامراتية من قبل القصر لا دينية فلم يفلحوا، فطلبوا منه أن يخاطب الخارجية البريطانية في ذلك. 

وظلت الوزارة مجتمعة في انتظار رد الخارجية البريطانية، حتى وصل حوالي الواحدة صباحا مؤيدا لرأي أللنبي، فقررت الوزارة الاستقالة فورا، لأن الوزراء لا يستطيعون أن يواجهوا الشعب في الأزهر ولا أن يكونوا بمأمن على حياتهم من الأزهريين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين