الأزمات والشباب -2-

 

في الأزمات يخرجُ الشّبابُ من حالة الاستقرار ـ سواءً كان استقرارًا حقيقيًّا أم موهومًا ـ ليجدوا أنفسهم باحثينَ عن ذواتِهم التي فقدوها، باحثينَ عن أنفسِهم التي ينكرونَها وقد طرأَ عليها من التّغيّراتِ في طريقةِ التفكيرِ والسلوك الكثيرَ الكثير، فهم غيرُهم الذين كانوا مؤمنينَ أتقياءَ أنقياءَ في ساعة وساحة الاستقرارِ، وهم غيرُهم الذين كانوا يعيشون طمأنينةً تجاه الإله والنبوَّاتِ في ظلّ عائلةٍ تورّثُ لهم التّوحيد والإيمان كابرًا عن كابر، ومسجدٍ يعلّمهم التوحيدَ دون غرسِه في قلوبهم وتجذيرهِ في أرواحِهم؛ ليجدوا انفسهم يخوضونَ في بحرٍ من الشّكّ الذي يصدمهم وجوده في نفوسهم، ليبرز من أعماقِهم سؤالٌ خطيرٌ يقول:

 

هل تبدّلنا الكفرَ بالإيمانِ وزلَّت أقدامُنا بعدَ ثبوتِها، أم أنّ إيمانَنَا في أصلِه كانَ هشَّا ولم يكن حقيقيًّا وقد جاءت الأزمةُ لتكشفَنَا وتُعرِّينَا أمامَ أنفُسِنَا؟!!

 

بعيدًا عن الإغراقِ في التحليلِ؛ فإنَّ من أخطرَ ما تكشفُه الأزماتُ هو هشاشةُ الإيمانِ الموروث الذي ينشأ عليه الإنسان بحكم واقعه العائليّ والاجتماعي دون أن يصاحبَه التّحقّق اليقينيّ، كما أنّ من أوضح ما تكشفُه الأزماتُ هو أنَّ الخضوعَ لسلطةِ المجتمعِ وسمعة العائلة هو ما كان يعيشُه كثيرٌ من الشّباب في سلوكهم وطريقة حياتِهم المعبرة عن اليقين الموهوم، فلا بدّ من السعي الدّؤوب في الأزماتِ إلى الانتقالِ من الإيمان الموروث إلى الإيمان اليقينيّ ومن الخضوع لسلطة المجتمع والعائلة إلى سلطة المبدأ والإيمان عن طريق بذر الإيمانِ اليقيني وزرع التوحيد الخالص وتصحيح النظرة للإله والكون، وهذا كله يحتاج منهجية بنائيّة أوسع بكثيرٍ من مجرّد تعلّم أركان الإيمان ومعرفة مبادئ علم التوحيد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين