الأربعون في الجهاد والاستشهاد -6-

 

 

(35)

والمرأة تغزو

 

عن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّةِ( ) قالت:

 

غزوتُ مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ سبعَ غزَوات، أَخلُفُهم في رِحالهم، فأصنَعُ لهم الطعام، وأداوي الجرحَى، وأقومُ على المرضَى.

 

صحيح مسلم (1812).

 

فيه دليلٌ على أنه يجوزُ خروجُ النساءِ إلى الحربِ لهذه المصالح.

والجهادُ ليس بواجبٍ عليهنَّ، في أدَّلةٍ أخرى( ).

قالَ الحافظُ ابنُ حجر في تمريضِ النساءِ الرجالَ: وأما حُكمُ المسألة، فتجوزُ مداواةُ الأجانبِ عند الضرورة، وتقدَّرُ بقدرها فيما يتعلَّقُ بالنظرِ والجسِّ باليدِ وغيرِ ذلك( ).

 

(36)

غزو المرأة

 

عن الرُّبيِّع بنتِ معوِّذٍ( ) قالت:

 

كنّا نَغزو مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فنَسقي القوم، ونَخدمُهم، ونَردُّ الجرحَى والقتلَى إلى المدينة.

 

صحيح البخاري (2727).

 

(37)

النهي عن المثلة والنهب

 

عن عبدالله بن يزيد الأنصاري قال:

 

نهَى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ عن النُّهْبَى والـمُثْلَة.

 

صحيح البخاري (2342).

 

النُّهبَى: أخذُ مالِ المسلمِ قهرًا جهرًا، ومنه أخذُ مالِ الغنيمةِ قبلَ القسمةِ اختطافًا بغيرِ تسوية( ).

قال الخطابي: إنما نَهى عن النهب؛ لأن الناهبَ إنما يأخذُ ما يأخذهُ على قدرِ قوَّتهِ لا على قدرِ استحقاقه، فيؤدِّي ذلك إلى أن يأخذَ بعضُهم فوق حظِّه، وأن يبخسَ بعضهم حقَّه، وإنما لهم سهامٌ معلومة، للفرسِ سهمان، وللرجلِ سهم، فإذا انتهبوا الغنيمةَ بطلتِ القسمة، وعدمتِ التسوية.

وقالَ في المثلة: المثلةُ تعذيبُ المقتول، بقطعِ أعضائهِ وتشويهِ خَلقه، قبلَ أن يُقتَلَ أو بعده، وذلك مثلُ أن يَجدعَ أنفَهُ أو أذنَه، أو تُفقأَ عينه، أو ما أشبهَ ذلك من أعضائه. 

ثم قال ما حاصله: إن النهيَ إذا لم يمثِّلِ الكافرُ بالمقتولِ المسلم، فإن مثَّلَ بالمقتولِ جازَ أن يمثَّلَ به، ولذلك قطعَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أيدي العُرَنيين وأرجلَهم، وسملَ أعينهم، وكانوا فعلوا ذلك برعائهِ صلَّى الله عليه وسلَّم. وكذلك جازَ في القصاصِ بين المسلمين، إذا كان القاتلُ قطعَ أعضاءَ المقتولِ وعذَّبَهُ قبلَ القتل، فإنه يعاقَبُ بمثله، وقد قالَ الله تعالى:  {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [سورة البقرة: 194]( ).

 

(38)

النهي عن قتل النساء والصبيان

 

عن عبدالله بن عمر قال: 

 

وُجِدَتِ امرأةٌ مقتولةٌ في بعضِ مغازي رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فنهَى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ عن قتلِ النساءِ والصبيان.

 

صحيح البخاري (2852) واللفظُ له، صحيح مسلم (1744).

 

الجمهورُ على أن المرأةَ إذا قاتلتْ جازَ قتلُها، يؤيدهُ ما أخرجهُ أبو داود والنسائي وابن حبان من حديثِ رياح بن الربيع، قال: كنا مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ في غزوة، فرأى الناسَ مجتمعين، فرأى امرأةً مقتولة، فقال: "ما كانت هذه لتقاتل". فإن مفهومَهُ أنها لو قاتلتْ لقُتلت. 

واتفقَ الجميعُ على منعِ القصدِ إلى قتلِ النساءِ والولدان، أما النساءُ فلضعفهن، وأما الولدانُ فلقصورهم عن فعلِ الكفر...( ).

 

(39)

شهداء الأمة

 

عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه:

 

أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "الشهداءُ خمسة: المطعون، والمبطون، والغَرِق، وصاحبُ الهَدْم، والشهيدُ في سبيلِ الله".

 

صحيح البخاري (2674)، صحيح مسلم (1914) ولفظهما سواء.

 

المطعون: الذي يموتُ في الطاعون.

المبطون: صاحبُ داءِ البطن، وهو الإسهال.

الغَرِق: الذي يموتُ غريقًا في الماء.

صاحبُ الهدم: من يموتُ تحته.

قالَ العلماء: وإنما كانت هذه الموتاتُ شهادةً بتفضُّلِ الله تعالى، بسببِ شدَّتها وكثرةِ ألمها. 

وقالوا: المرادُ بشهادةِ هؤلاء كلِّهم غير المقتولِ في سبيلِ الله، أنهم يكونُ لهم في الآخرةِ ثوابُ الشهداء، وأما في الدنيا فيُغسَلون ويصلَّى عليهم( ).

 

(40)

شهيد آخر

 

عن عبدالله بن عمرو رضيَ الله عنهما قال:

 

سمعتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: "مَن قُتِلَ دون مالهِ فهو شهيد".

 

صحيح البخاري (2348)، صحيح مسلم (141) ولفظهما سواء.

 

أي: عند دفعهِ من يريدُ أخذَ مالهِ ظلمًا.

قالَ المباركفوري رحمَهُ الله: لأن المؤمنَ محترَمٌ ذاتًا ودمًا وأهلًا ومالًا، فإذا أُريدَ منه شيءٌ من ذلكَ جازَ له الدفعُ عنه، فإذا قُتِلَ بسببهِ فهو شهيد( ). 

وهناك ثلاثةٌ آخرون وردَ أنهم شهداء، في حديثٍ صحيحٍ رواهُ مالكٌ في الموطأ، ضمنَ سبعةِ شهداء، وهم: صاحبُ ذاتِ الجنب، والحَرِق، والمرأةُ تموتُ بجُمع، وهي الحاملُ جامعةً ولدَها في بطنها( ).

واجتمعتْ خصالُ الشهادةِ عند ابنِ حجر عشرينَ خصلة، أوردَ أربعَ عشرةً منها في شرحهِ على صحيحِ البخاري( ).

 

والحمدُ للهِ الذي بنعمتهِ تتمُّ الصالحات

 

المراجع( )

 

- تحفة الأحوذي/ المباركفوري.- بيروت: دار الكتب العلمية [التراث].

- تهذيب الكمال في أسماء الرجال/ جمال الدين المزي؛ تحقيق بشار عواد معروف.- ط5.- بيروت: مؤسسة الرسالة، 1413 هـ.

- حاشية السندي على سنن النسائي/ بعناية عبدالفتاح أبو غدة.- ط2.- حلب: مكتب المطبوعات الإسلامية، 1406 هـ [التراث].

- الديباج على مسلم/ جلال الدين السيوطي [التراث].

- سنن الترمذي (الجامع الصحيح)/ تحقيق أحمد محمد شاكر، محمد فؤاد عبد الباقي، إبراهيم عطوة.- القاهرة: دار الحديث، د.ت.

- شرح النووي على صحيح مسلم.- ط2.- بيروت: دار إحياء التراث، 1392 هـ [التراث].

- صحيح البخاري/ تحقيق مصطفى ديب البغا.- ط3.- بيروت؛ دمشق: دار ابن كثير: دار اليمامة، 1407 هـ [التراث].

- صحيح مسلم.- بيروت: دار ابن حزم، 1416هـ.

- عون المعبود شرح سنن أبي داود/ محمد شمس الحق العظيم آبادي.- ط2.- بيروت: دار الكتب العلمية، 1415 هـ [التراث].

- فتح الباري: شرح صحيح البخاري/ ابن حجر العسقلاني.- بيروت: دار المعرفة، 1379هـ [التراث].

- النهاية في غريب الحديث والأثر/ ابن الأثير؛ تحقيق طاهر أحمد الزاوي، محمود الطناحي.- بيروت: دار الفكر، 1399هـ [التراث].

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين